والثاني : إن ذلك الوقت لما انقضى ومضى ، فبعد انقضائه لو بقيت الإرادة متعلقة بإحداث العالم ، في ذلك الوقت : كان ذلك قصدا ، إلى إيقاع الفعل في الزمان الماضي ، وإنه محال. فيثبت : أن العالم بعد دخوله في الوجود ، يمتنع بقاء الإرادة [الأزلية] (١) متعلقة بإدخال عين ذلك العالم في عين ذلك الوقت ، في الوجود ، فوجب القول بزوال ذلك التعلق وبطلانه. لكنا بينا : أن ذلك [التعلق] (٢) المخصوص من لوازم ماهية تلك الإرادة. وزوال اللازم يدل على زوال الملزوم. فيثبت : أن تلك الإرادة واجبة العدم ، بعد دخول (٣) ذلك المراد في الوجود ، وكل ما صح عدمه ، امتنع قدمه. فهذا دليل قوي على أن القول بأن إرادة الله تعالى قديمة قول باطل.
وأما أنه يمتنع كونها حادثة ، فلأنها لو كانت حادثة ، لكانت إما أن تحدث في ذات الله تعالى ، أو في ذات أخرى ، أو لا في محل. والكل باطل بالوجوه المشهورة ، فكان القول به : باطلا.
الحجة الثالثة : إن كل من قصد إلى إحداث شيء ، فإما أن يكون ذلك الإحداث به أولى في ظنه واعتقاده من تركه ، وإما أن لا يكون. فإن كان الأول لزم كونه ناقصا بذاته ، مستكملا بغيره ، وذلك في حق واجب الوجود [لذاته] (٤) محال ، وإن كان الثاني ، فحينئذ لا يترجح قصد الإحداث على قصد الترك ، وذلك لأن قصد الإحداث ترجيح ، وحصول الرجحان حال حصول عدم الرجحان : محال. فإن قالوا : كونه ناقصا لذاته ، مستكملا بغيره : إنما يلزم لو رجح الإحداث على تركه ، لنفع يعود إليه. أما إذا رجحه لنفع يعود إلى الغير ، لم يلزم المحال المذكور.
قلنا : إيصال الخير والنفع إلى الغير ، وعدم إيصاله إليه إن استويا بالنسبة
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) من (ط ، س)
(٣) حصول (ط)
(٤) من (ت)