الإحسان ، وما كان ذلك الإحسان سببا للضرر (١) في حقه البتة ، فحينئذ يكون الامتناع منه مذموما في [غاية] (٢) النهاية. ويمكن تقرير هذا الكلام بوجه آخر ، فيقال : إنه تعالى إما أن يقال : إنه [ما] (٣) كان قادرا على الإيجاد في الأزل ، أو يقال : إنه كان قادرا عليه ، إلا أنه لو فعله ، لصار ذلك سببا لعود نوع من أنواع الضرر إليه ، أو يقال : كان قادرا على الإيجاد في الأزل ، وكان منزها عن عود الضرر إليه.
أما القسم الأول : فإنه يقتضي انتقال الخالق من العجز إلى القدرة.
وأما القسم الثاني : فإنه يقتضي [انتقال الخالق من الضرر إلى الراحة.
وأما القسم الثالث : فإنه يقتضي] (٤) البخل والنقص. لأنه لما كان قادرا على هذا الإحسان ، وما كان له فيه ضرر البتة ، فيكون الامتناع عنه محض البخل [والنقص] (٥) وكل ذلك على الإله الحكيم محال. وأما السؤال الثالث : فجوابه : أن عند القوم : حدوث كل حادث متأخر ، مشروط بدخول الحادث المتقدم في الوجود ، بناء على القاعدة التي ذكرناها في سبب حدوث الحوادث اليومية. وإذا كان الأمر كذلك ، لم يلزم من عدم إيجاد هذا الشخص المعين قبل أن وجد : عيب ولا نقص.
الحجة الثالثة : علة وجود العالم : وجود (٦) البارئ تعالى ، ووجوده أزلي. فعلة وجود العالم أزلية فيلزم كون العالم أزليا. فإن قالوا : الجود (٧) هو الإفادة والتحصيل. فقولكم : جود البارئ تعالى : أزلي. معناه : أن كونه موجدا للعالم أزلي ، وذلك عين المطلوب ، قلنا : تحقيق هذا الكلام : إن جملة ما يصدر عن البارئ تعالى لا بد [له] (٨) من مؤثر فمجموع الأمور المعتبرة في المصدرية : قائم وإلا لزم افتقاره إلى مؤثر آخر ولزم التسلسل ، وإذا كان
__________________
(١) شيئا للضرورة (ت)
(٥) من (ط ، س)
(٢) من (ط ، س)
(٦) وجود (ت)
(٣) من (ت)
(٧) الوجود (ت)
(٤) من (ت)
(٨) من (س)