كونه تعالى موجبا بالذات. وذلك يوجب دوام العالم بدوامه. وإنما قلنا : إن كونه تعالى عالما بالجزئيات [يقتضي كونه موجبا بالذات ، لأنه لما كان عالما بالجزئيات (١)] كان عالما بأن الشيء الفلاني يقع في الوقت الفلاني على الصفة الفلانية ، وأن الشيء الفلاني لا يقع البتة، وما علم الله وقوعه ، كان واجب الوقوع ، لأن عدم وقوعه ، يستلزم أن ينقلب علم الله جهلا. وهو محال. ومستلزم المحال : محال. فعدم وقوعه : محال. فوقوعه : واجب.
وبهذا الدليل أيضا : ما علم الله عدم وقوعه : كان ممتنع الوقوع أيضا. والشيء الذي يكون واجب الوقوع (٢) أو يكون ممتنع الوقوع ، لم يكن القادر متمكنا من فعله وتركه. وذلك يقدح في كونه تعالى قادرا ، ويقتضي كونه موجبا بالذات. وإذا ثبت (٣) [أن كونه عالما بالجزئيات ، يقتضي كونه تعالى موجبا بالذات ، وثبت (٤)] أنه متى كان موجبا بالذات : لزم من دوام الموجب ، دوام الأثر. وذلك هو المطلوب.
ولهذا الكلام تقرير آخر ، وهو أن يقال : العالم ممكن الوجود لذاته. وقد بينا : أنه من حيث إنه معلوم الوقوع ، وجب أن يكون واجب الوقوع. والعلم لا يقلب (٥) ماهية المعلوم ولا يغيره. فهذا الوجوب ما جاء البتة من العلم ، بل جاء من سبب آخر. فهذا الوجوب يدل على أن سببا آخر ، اقتضى صيرورة العالم ، واجب الوقوع. لأنه لما دل كونه معلوم الوقوع ، على كونه واجب الوقوع ، وثبت : أن المؤثر في هذا الوجود ، ليس هو صفة العلم: وجب أن يكون المؤثر فيه : صفة أخرى. فيثبت : أنه تعالى موجب لوجود العالم ، إما لعين ذاته المخصوصة ، أو لصفة أخرى من صفاته. وعلى [هذين] (٦) التقديرين ، فالتقريب معلوم فيثبت : أنه تعالى إما أن يكون عالما بالجزئيات ،
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) الوجود (ت)
(٣) وثبت (ت)
(٤) من (ط ، س)
(٥) لا ينقلب ماهية المعلوم ولا لغيره (ت)
(٦) من (ط ، س)