الماهيات متباينة متميزة؟ ثم نقول : سلمنا أنه لا بد من كون تلك المعلومات متمايزة في الحال ، فلم قلتم : إن حصول الامتياز في الحال ، يستدعي كونها موجودة؟ وما الدليل عليه؟
بل نقول : الدليل على أن الامتياز والاختلاف ، قد يحصل في العدم المحض ، والسلب الصرف : وجوه :
الأول : إن عدم الملزوم لا يوجب [عدم] (١) اللازم. لكن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم ، فكل واحد من هذين العدمين ممتاز عن الآخر بخاصية حقيقية ، ونوعية ذاتية.
الثاني : إن عدم الضد عن المحل ، يصحح حلول الضد الآخر في ذلك المحل ، وعدم ما لا يكون ضدا ، لا يفيد هذا الحكم.
الثالث : إنا إذا قلنا : النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان ، فقد حكمنا بكون (٢) السلب منافيا للإيجاب فلو لم يكن للسلب من حيث إنه سلب : خصوصية وامتياز عن الإيجاب ، وإلا لما صح الحكم بكونه منافيا للإيجاب. ثم نقول : سلمنا أن العلم بالمعلوم ، يستدعي كون المعلوم ثابتا. لكن لم قلتم : إن كل ثابت ، فإنه لا بد وأن يكون موجودا؟ أما علمتم أن جماعة من العقلاء ، قالوا : «المعدوم مع كونه معدوما قد يكون شيئا ثابتا»؟ وعنوا بذلك : أن الماهيات حال عرائها عن الوجود ، قد تكون متقررة في كونها ماهيات (٣) فما الدليل على فساد هذه المقالة؟ ثم نقول : لم لا يجوز أن تكون هذه المعلومات : حاصلة في ذات العالم ، ومرتسمة فيها؟ وهذا هو قول من يقول : «لا معنى للعلم إلا حصول صورة المعلوم في ذات العالم» أما قوله : «يلزم أن يكون العالم بالاستدارة والاستقامة ، والحرارة والبرودة : مستقيما مستديرا ، حارا باردا» فنقول : هذا غلط. وذلك لأنا لا نقول : العالم بالحرارة
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) يكون السلبية منافية للإيجابية (ت)
(٣) فما الدليل عليه على هذه المقدمة؟ (ت)