الدنيا إذا كانوا بالصفة المذكورة ، ثم عرضت عليهم : أنه هل يجوز حدوث إنسان شيخ دفعة واحدة ، من غير أن كان مسبوقا بالأبوين ، ومن غير أن كان مسبوقا بالطفولية والشباب؟ فإنهم يقطعون بامتناعه. وإذا عرضت عليهم قول من يقول : إن هذه الأنهار جرت في هذه المفازة من غير أن يقال : إنها سالت إليها من مواضع أخر وإنما جرت في هذه المفازة على سبيل أن هذه المياه حدثت في هذه المواضع ابتداء. فإن العقلاء بأسرهم يقطعون بكون هذا القول كذبا باطلا ، أو بأن قائل (١) هذا القول : صار مجنونا. وهذا يدل على أن هذه المقدمة من أقوى البديهيات.
وأما أن المتكلمين يجوزونه ، فليس الأمر كذلك ، لأن المتكلم لو سألته عن هذه الوقائع ، لا في وقت المناظرة ، بل في وقت سلامة عقله ، لأقر بذلك ، ولقضى على من ينكروه بالجنون والعته. فثبت : أن الأمر كما ذكرناه.
وأما قوله على الوجه الثالث : «إنه تعالى فاعل مختار ، فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد».
فنقول : أما القول بأنه [لا (٢)] مرجح لأحد الطرفين على الآخر. فهذا يقتضي أن يكون وقوع أحد الجانبين : اتفاقيا محضا. والأمور الاتفاقية ، إما أن تكون ممتنعة الوقوع ، أو إن كانت ممكنة الوقوع ، إلا أنها لا تكون دائمة ولا أكثرية.
وقوله : «إنما كانت لأنه أصلح للعباد» ففي غاية الضعف. لأن حدوث الحيوان والنبات والمعادن ، لما كان موقوفا في مجاري العادات ، على أحوال المواد ، والفصول الأربعة ، وتغير أحوال الكواكب : صار ذلك سببا لوقوع الشك العظيم ، في أن المؤثر في حدوث هذه الأشياء هو الطبائع ، لا [الفاعل (٣)]
__________________
(١) أو بأن هذا القائل صار (ط ، س)
(٢) من (ط ، س)
(٣) من (س)