والثاني : أنه لو كان حدوثه عين ذاته ، لكان العالم بذاته عالما بحدوثه. وذلك يوجب أن يكون العلم بحدوثه ضروريا ، كما أن العلم بوجوده ضروري. وإنما قلنا : إنه يمتنع أن يكون حدوثه زائد عليه ، لأنه يلزم أن يكون حدوث ذلك الحادث زائدا عليه ، ويلزم التسلسل. فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : حدوث الجسم عين ذاته؟ ويلزم كون الجسم حادثا ، حالا محالا. وأيضا : فهذا وارد في الصفات والأعراض. وأيضا : فهذا وارد عليكم في قدم الأجسام على ما سيأتي تقريره في باب دلائل القائلين بالحدوث.
والجواب عن الأول : إنه قد اتفق العقلاء المعتبرون (١) على أن الأجسام باقية دائمة.
وأما الثاني : فكثير من الخلق ، التزموا أن بقاء : الأعراض محال.
وأما الثالث : فهو أن قدم الجسم ، لما كان عين ذاته ، لم يمتنع أن يقال : إنه قديم في كل الأوقات. أما لو قلنا : إن حدوثه عين ذاته ، لزم أن يكون حادثا في كل الأوقات. وذلك ينافي كونه باقيا ، مستمر الوجود (٢). فظهر الفرق.
الحجة الثالثة : اعلم أن المتقدمين كانوا يقولون : ما شاهدنا ليلا ، إلا وقبله نهارا ، ولا نهارا إلا وقبله ليل. فوجب أن يكون الأمر كذلك.
والمتكلمون شنّعوا عليهم ، وقالوا : هذا جمع بين الشاهد والغائب. بمحض التحكم ، وأنه باطل.
واعلم أن القوم لهم هاهنا مقامان :
المقام الأول : إنا لا نتمسك بهذا الدليل ، في إثبات القطع والجزم بهذا القول [بل (٣)] في إثبات أن هذا القول هو الأولى والأقرب والأخلق بالقبول.
__________________
(١) من (ط ، س)
(٢) من (ت)
(٣) الأول (ت)