فإن قالوا : لا نسلم أن المعقول من الحدوث : هو أنه ما كان موجودا في الوقت المتقدم ، ثم صار موجودا. بل نقول : المعقول من الحدوث : أنه ما كان موجودا ، ثم صار موجودا من غير حاجة إلى تقرير مدة ، وفرض زمان. والدليل على صحة ما ذكرنا : أنه لو كان الأمر كما ذكرتم ، لزم أن يفتقر حدوث [كل (١)] واحد من أجزاء الزمان ، إلى زمان آخر ، إلى غير النهاية. وهو محال.
والجواب : إن قول القائل : إنه ما كان موجودا : ثم صار موجودا صريح في إثبات الزمان. لأن قولنا : «كان» : لفظ يدل على الماضي ولا يتصور العقل من الماضي ، إلا أمر من الأمور ، كان حاضرا ثم انقضى. وأيضا لفظ «ثم» : يدل على حصول شيء ، بعد حصول شيء آخر. وكل هذه الألفاظ : تدل على أن العقل لا يمكنه أن يتصور معنى الحدوث البتة ، إلا بعد فرض مدة مستمرة ، وزمان دائم. فإن قالوا : فهذا تمسك بمجرد الألفاظ. فنقول : ليس الأمر هذا تنبيه على أن العقل لا يمكنه أن يتلفظ بلفظ ، ولا أن يشير إلى معنى معقول ، إلا ويقرن حدوثه بزمان ، ويقرن عدمه السابق بزمان. وذلك يدل على أن الإقرار بدوام المدة ووجودها من الأزل إلى الأبد : مركوز في بدائه العقول.
وأما قوله : «كان يلزم افتقار حدوث كل واحد من أجزاء الزمان ، إلى زمان آخر ، إلى غير النهاية» فنقول : وهكذا نقول ، لأنه لو لا أن الجزء السابق كان موجودا ، وإلا لامتنع أن يحكم على الجزء المتأخر : بكونه حادثا متأخرا [والله أعلم (٢)
الحجة العاشرة : لو كان العالم محدثا ، فوجد عالم آخر قبل هذا العالم ، بحيث ينتهي آخره إلى أول هذا العالم بعشرة أدوار ، [إما (٣)] أن يكون ممكنا ،
__________________
(١) من (س)
(٢) من (ت)
(٣) من (ط ، س)