الحجة العاشرة : قالوا : حقيقة الحدوث تقتضي المسبوقية بالغير ، فكانت حقيقة الحدوث منافية لحقيقة الأزل. فالقول بحدوث الحوادث في الأزل محال.
واعترض الخصم فقال : المحكوم عليه بالحدوث عندي : هو كل واحد منها ، لا مجموعها. وكل واحد منها محكوم عليه بأنه ليس بأزلي. فإن قلتم : لما كان كل واحد منها : محكوم عليه بأنه ليس بأزلي. فإن قلتم : لما كان كل واحد منها : محكوم عليه بأنه ليس بأزلي امتنع أن يكون مجموعها أزليا : كان هذا عودا إلى الحجة التاسعة ، وقد سبق الكلام عليها. فهذا جملة الكلام في هذا الباب.
وللفلاسفة هاهنا مقام آخر : قالوا : لا شك أن الدلائل التي ذكرتموها في وجوب أن تكون للمدة أول دلائل غامضة دقيقة مشتبهة لا يمكن الوقوف عليها إلا بفكر دقيق ونظر غامض.
وأما مطلوبنا في هذا الباب : فهو أمر كل من وقف عليه على الوجه الملخص ، حكم صريح عقله بالصحة. وذلك لأن المفهوم من القبلية والبعدية [والتقدمية (١)] والتقدم والتأخر أمر لا يحصل إلا عند تقرير المدة والزمان. فإنه لا معنى للمدة والزمان إلا الموجود الذي بسببه تحصل هذه المفهومات. فإذ حكمنا بمقتضى ما ذكرتموه من الدلائل ، وجب أن نعتقد : أن للمدة والزمان أولا وبداية. وحينئذ لا يحصل قبل ذلك الأول ، لا قبل ولا بعد ، ولا تأخر ولا تقدم البتة. إلا أن صريح العقل [حاكم (٢)] بدفع ذلك. لأن بديهة العقل حاكمة بأن عدم ذلك الأول سابق عليه ومتقدم عليه. وبديهة العقل حاكمة أيضا : بأنه يمكن فرض حوادث قبل ذلك الأول [بحيث تنتهي إلى ذلك الأول (٣)] بعشرة دورات. ويمكن أيضا : فرض حوادث أخزى ، تنتهي إلى ذلك الأول بعشرين (٤) دورة. ويحكم صريح العقل بأن مبدأ هذا المفروض الثاني ، يجب أن يكون سابقا على مبدأ المفروض الأول. فيثبت : أن دلائلكم
__________________
(١) من (ت ، ط)
(٢) من (ت ، ط)
(٣) من (ط)
(٤) بعشر دورات (ط)