من هذا الإنسان حاصلا لذلك الإنسان الآخر ، فيلزم أن يكون هذا الإنسان هو عين ذلك الإنسان الآخر ، وإنه محال. فثبت بهذه الوجوه : أن الأشياء المتماثلة في تمام الماهية ، يجب أن يكون تعين كل واحد منها ، زائدا على ماهيته.
وأما المقام الثاني : وهو أنه لما كان الأمر كذلك ، وجب كون الأجسام محدثة. فتقريره : أن على هذا التقدير ، يكون كل واحد من الأجسام ، مركبا من الجسمية ومن ذلك التعين. ثم لا يخلو إما أن يقال : الجسمية تقتضي ذلك التعين ، أو يقال : إن ذلك التعين يقتضي الجسمية المطلقة ، أو يقال : إن كل واحد منهما لا يقتضي الآخر. والأول باطل. وإلا وجب أن يكون كل جسم هو ذلك المعين ، وأن يكون ما ليس بذلك المعين فإنه لا يكون جسما. إلا أن ذلك باطل. لما بينا : أن ماهية الجسم [ماهية (١)] مشتركة فيما بين الأشخاص الكثيرة. والثاني [أيضا (٢)] باطل لوجوه :
أحدهما : إن ذلك التعين حالة نسبية إضافية ، وهي لا تدخل في الوجود إلا إذا كانت عارضة لماهية من الماهيات. فإن العقل يقضي بأنه يمتنع وجود موجود لا حقيقة له في نفسه ، إلا التعين بل لا بد من جسم أو سواد أو إنسان أو حجر ، أو غيرها. حتى يحكم عليه بكونه متعينا. فيثبت : أن حصول التعين محتاج في تحققه وتقرره : إلى تلك الماهية. فلو كانت تلك الماهية معلولة لذلك التعين ، لزم الدور.
والثاني : إن ذلك التعين ، يساوي سائر التعينات في كونه تعينا ، فلو اقتضى تعين حصول الجسمية ، لاقتضى حصول كل تعين : حصول الجسمية. فوجب أن يقال : إنه لا تعين ولا متعين إلا الجسم. وذلك باطل قطعا. فيثبت بما ذكرنا : أنه لا الجسمية تقتضي ذلك التعين ، ولا ذلك التعين يقتضي الجسمية. فوجب أن يقال : إن الاجتماع بين ماهية الجسم وبين ماهية
__________________
(١) من (ت)
(٢) من (س)