منوّهة بقدرة الله تعالى على كل ما يحسبونه غير ممكن. وقد تكرر في القرآن حكاية أقوالهم وإنكارهم كثيرا وكان الجدل حول البعث بين النبي والكفار من أكثر ما دار الجدل حوله على ما ذكرناه في تعليق سابق.
واحتوى القرآن ردودا قوية بأساليب متنوعة في كل مرة حكى فيها إنكارهم ومراءهم مؤكدا بأن ذلك في نطاق قدرة الله تعالى الذي خلقهم أول مرة وبأن الله تعالى لم يخلقهم ولم يخلق الأكوان عبثا وإنما ليبلوهم أيهم أحسن عملا ويجزي كل الناس حسب أعمالهم في الدنيا. والآيات كثيرة كثرة تغني عن التكرار. ويمكن القول إن الآيات القرآنية مؤيدة في ظاهرها للقائلين بالبعث الجسماني وإن قدرة الله لا يعجزها شيء فإذا اقتضت حكمة الله بعث الأجسام جسمانيا فإن ذلك داخل ولا ريب في نطاق هذه القدرة. مع التنويه بوجاهة قول القائلين بأنه ليس من الضروري أن تبعث نفس الأجسام وأن من الجائز أن تحلّ الروح في أجسام جديدة لأن الأجسام غلاف أو وعاء والروح هي التي تحسّ بالنعيم والعذاب. ومعلوم أن الجسم الإنساني تتبدّل خلاياه دوما في أثناء حياة صاحبه. ومع ذلك تظلّ شخصيته محتفظة بذاتيتها مع قواها العقلية وذكرياتها منذ أيام الطفولة إلى آخر أيام الحياة. وقد يكون في هذا تقريب وتوضيح.
وعلى كل حال فالحياة الأخروية مسألة غيبية يجب على المسلمين أن يؤمنوا بها في نطاق ما جاء عنها في القرآن لأن ذلك من أركان الإسلام وإن كان جاء بأساليب وألفاظ دنيوية مألوفة للناس مما قد يكون من حكمته قصد التقريب والتأثير والمساجلة في الجدل. ولسنا نرى الآية وأمثالها يقتضي أن تكون مثار جدل ولا خلاف بينهم ولا تتحمل ذلك من حيث المدى والقصد. وعلى المسلم أن يعتقد أن ما جاء في القرآن هو في نطاق قدرة الله وحكمته وأن يقف عنده بدون تحمل ومراء وأن يكل ما يعجز عن إدراكه من صور وكيفيات إلى الله تعالى ، والله تعالى أعلم.
(فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ