ومن الأدلة القوية على أن السفر كتب بعد طروء بني إسرائيل على فلسطين وتأثره بأحداثهم فيها أن الوعود المعزوّة فيه إلى الله عزوجل يجعل الأرض لإبراهيم ونسله ثم لإسحق ونسله ثم ليعقوب ونسله فطورت حسب مجرى الأحداث. ولقد دوّن كتاب السفر وعودا متناقضة لإبراهيم ونسله ثم استدركوا فجعلوا هذه الوعود لإسحق فقط دون أولاد إبراهيم الآخرين من زوجتيه هاجر أم إسماعيل وقطورية أم أولاد عديدين آخرين. لأنهم أرادوا أن يثبتوا حق الجدّ الإسرائيلي فقط وهو إسحق. ثم استدركوا فجعلوا هذه الوعود ليعقوب فقط دون عيسو ابن إسحق الآخر لأنهم أرادوا أن يثبتوا حق الجد الإسرائيلي فقط وهو يعقوب ...
كذلك من الأدلة القويّة حكاية لعن نوح لكنعان في الإصحاح التاسع من السفر. حيث يحكي الإصحاح أن نوحا تكشّف في خبائه فظهرت عورته فرآها ابنه الصغير حام فأخبر أخويه يافث وسام بذلك فدخل هذان للخباء وغطوا عورة أبيهما. ولما أفاق وعلم بما فعل ابنه الصغير هتف قائلا : (ملعون كنعان عبدا يكون لعبيد إخوته. تبارك إله سام. وليكن كنعان عبدا له. ليرحب الله بيافث وليكن كنعان عبدا له) وكنعان هو ابن حام كما جاء في الإصحاح العاشر ولكنه ليس ابنه الوحيد بل هو رابع أولاده. ولم يكن قد ولد حينما رأى حام عورة أبيه وأخبر أخويه بذلك. فإذا كان ذنب يستحقّ لعنته فهو ذنب حام ولم يكن كنعان مذنبا. ولكن العداء الذي نشب بين بني إسرائيل والكنعانيين أهل أرض غرب الأردن واستمرّ شديدا دمويا مدة طويلة أوحى لكتّاب السفر بتسجيل ما سجلوا دون أن ينتبهوا إلى الخطأ الذي يقعون فيه وهو لعن ولد لم يولد بسبب ذنب اقترفه أبوه بزعمهم. وتسجيل كون نسل هذا الولد مكرسا ليكون عبدا لأبناء سام الذي من ذريته إبراهيم ثم إسحق ثم يعقوب ثم بنو إسرائيل كما جاء في الإصحاح الحادي عشر وما بعده ويأتي في الترتيب بعده أسفار (الخروج) و (الأحبار) الذي يسمى أيضا بسفر (اللاويين) و (العدد) و (تثنية الاشتراع) وهي عائدة إلى حقبة حياة موسى وتتضمن حكاية أحداث هذه الحقبة مع كثير من التشريعات والتعليمات