فصلت هذه : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤)) وآية سورة الإسراء هذه : (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣)) وآية سورة آل عمران هذه : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩)) بحيث يمكن أن يقال إن ما احتوته الآية من حثّ على أخذ الناس بالعفو من أخلاقهم وقبول الميسور منهم والتسامح في معاشرتهم والإغضاء عن طيش جاهليهم من مبادئ القرآن المحكمة.
وليس من تعارض بين هذا وبين معاملة من يستحق الشدّة والغلظة والقتال بما يستحق بطبيعة الحال حتى يصحّ القول بنسخ الآية. وقد قال الطبري الذي روى رواية النسخ عن بعض أهل التأويل من الصدر الإسلامي إنه ليس لديه دليل على نسخها ، وإن المراد منها تأديب النبي صلىاللهعليهوسلم والمسلمين جميعا وأمرهم بأخذ عفو أخلاق الناس. وتعليمهم صفة عشرة بعضهم بعضا وعشرة من لم يجب أخذه بالغلظة والشدّة.
ولقد أورد البغوي حديثا رواه بطرقه في سياق هذه الآية عن عائشة قالت : «لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاحشا ولا متفحّشا ولا صخّابا في الأسواق. ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح». وحديثا آخر عن جابر قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إن الله بعثني لإتمام مكارم الأخلاق وإتمام محاسن الأفعال». ولم نطلع على هذين الحديثين في كتاب التاج الذي جمع أحاديث أئمة الحديث الصحيح الخمسة. وهذا لا ينفي صحتهما ولقد روى مؤلف التاج حديثا مقاربا للحديث الأول مرويا عن أنس قال : «لم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فاحشا ولا لعانا ولا سبّابا» (١). وروى عن الترمذي وأبي داود حديثا عن أبي الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن. وإن الله ليبغض الفاحش البذيء».
__________________
(١) التاج ج ٥ ص ٣٣.