وهل تصحّ هذه المقايسة أم لا؟ أمّا فيما نحن فيه بعد ملاحظة ما ذكرناه في مقام الثبوت من أنّ الوجوب أمر بسيط غير مركّب كما قال به المحقّق الخراساني قدسسره ، إلّا أنّ وجوب الشيء يدلّ بالدلالة الالتزاميّة على الجواز ، ولكنّها دلالة تبعيّة وفرعيّة ، بخلاف الدلالة المطابقيّة والتضمّنيّة ، ولذا لا معنى لبقاء الدلالة الفرعيّة بعد ارتفاع الدلالة الأصليّة ، فلا يعقل بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب ، فلو فرض عدم استحالة المسألة في مقام الثبوت لا يمكن الالتزام بها في مقام الإثبات.
وأمّا في مثل : «صلّ صلاة الجمعة» و «لا تجب صلاة الجمعة» بعد اختلاف الدليلين في أصل الوجوب ، فالمشهور قائل بأنّ هيئة «افعل» حقيقة في الوجوب ومجاز في غيره ، وإن استعمل اللفظ فإنّه يحمل على الحقيقة إن لم تكن قرينة على خلاف المعنى الحقيقي ، وأمّا إذا كانت القرينة على خلافه ـ مثل : لا تجب صلاة الجمعة ـ فإنّها توجب التصرّف في هيئة «افعل» وتحمل على غير المعنى الموضوع له.
ولكن على ما اخترناه في هذه المسألة من أنّه لا يكون من الحقيقة والمجاز في هيئة «افعل» أثر ولا خبر ، بل مفادها عبارة عن البعث إلى المبعوث إليه ، إلّا أنّ البعث الناشئ عن الإرادة الحتميّة من دون ترخيص في مخالفته من ناحية المولى نسمّيه بالوجوب ، وأمّا إذا استعملت هيئة «افعل» مع الترخيص في مخالفته من ناحيته فنستكشف أنّ البعث لا يكون ناشئا عن الإرادة الحتميّة ونسمّيه بالاستحباب.
وعلى هذا المبنى استعملت هيئة «صلّ» في معناها الحقيقي ، إلّا أنّ ترخيص المولى بمخالفته بقوله : «لا تجب صلاة الجمعة» دليل على أنّ هذا البعث