المقام الثاني : في اقتضاء النهي عن المعاملة لفسادها
والبحث فيها قد يكون من حيث الدلالة اللفظيّة والظهور العرفيّ للنواهي المتعلّقة بها ، وقد يكون من حيث تحقّق الملازمة وعدمها عقلا بين الحرمة المولويّة وفساد المعاملة ، وموضوع البحث في الأوّل هو تعلّق النهي بالمعاملة من غير قرينة تدلّ على إرشاديّته أو مولويّته ، ولا بدّ قبل الخوض في البحث من التوجّه إلى أمرين :
الأوّل : أنّه لا تتحقّق بين المعاملات معاملة تأسيسيّة شرعيّة ، بل تكون جميعها إمضائيّة بعد ما كانت متداولة بين العقلاء ، ولكنّ الشارع حرّم بعضها وأضاف بعض الشرائط إلى الآخر لاستحكام نظم الاجتماع ، كقوله : (حَرَّمَ الرِّبا) و «نهى النبيّ صلىاللهعليهوآله عن بيع الغرر» ، بخلاف العبادات فإنّ مثل الصلاة بهذا النحو كمّا وكيفا تكون من المخترعات الشرعيّة ، سواء قلنا بالحقيقة الشرعيّة أم لا.
الأمر الثاني : أنّه يتحقّق في المعاملات ثلاثة خصوصيّات طوليّة : أحدها : ما يصدر من المتعاملين بالمباشرة من الإيجاب والقبول والتعاطي ، وثانيهما : ما يتفرّع عليه من التمليك والتملّك ، وهو مسبّب ومقدور للمكلّف مع الواسطة ، وثالثها : ما يترتّب على هذا المسبّب من الأحكام والآثار ، والغرض من المعاملات ترتّب الآثار ، لذا تكون صحّة المعاملة عند الفقهاء بمعنى ترتّب الأثر المقصود عليها ، وهذا يهدينا إلى أنّ الشارع حينما يقول : «لا تبع ما ليس عندك» معناه أنّه لا يترتّب على هذا البيع الأثر المقصود ، وأنّه لا يكون مع «لا تشرب الخمر» من سنخ واحد وفي سياق واحد ، ولا يستظهر العرف منه أنّ لهذا البيع بما أنّه فعل من أفعال البائع حرمة مولويّة ، ولا يكون الظهور اللفظي