بعد نسخ الوجوب.
وإذا قيل : إنّ هذا إنكار لأمر بديهيّ ؛ إذ لا شكّ في أنّ الشيء إذا كان واجبا يتحقّق معه جواز الفعل ، بل رجحانه.
قلت : سلّمنا أنّه يتحقّق مع وجوب شيء جواز ورجحان فعله ، ولكنّه لا يكون جزء ماهيّة الوجوب ولا تمام ماهيّته ، بل الوجوب يدلّ بدلالة التزاميّة على الجواز بنحو دلالة الملزوم على ثبوت اللازم ؛ بمعنى تبعيّته له مثل تبعيّة وجوب المقدّمة لوجوب ذي المقدّمة ، فلا يعقل بقاء اللازم بعد ارتفاع الملزوم ونسخه ، فنحكم في هذا المقام بالاستحالة ، وأنّه يستحيل بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب ، ولا تصل النوبة إلى مقام الإثبات أصلا.
ولو فرض إمكان بقاء الجواز في هذا المقام ففي مقام الإثبات لا بدّ من تغيير عنوان البحث بأنّ ملاحظة دليل الناسخ والمنسوخ والجمع بينهما هل يقتضي بقاء الجواز أم لا؟ لا ملاحظة كلّ منهما مستقلّا كما يستفاد من كلام صاحب الكفاية قدسسره.
وربما يقال : إنّ الجمع بينهما يقتضي بقاء الجواز ، بل يقتضي بقاء الرجحان ، نظيره ما إذا قال المولى : «صلّ صلاة الجمعة» ، وقال في ضمن دليل آخر : «لا تجب صلاة الجمعة» ، والمشهور بعد مواجهة هذين الدليلين يحمل الأمر على خلاف ظاهره ، بقرينة الدليل الثاني ؛ إذ الدليل الظاهر على الوجوب يدلّ على الرجحان والجواز أيضا ، والقرينة توجب التصرّف في دلالته على الوجوب فقط ، وتبقى دلالته على أصل الجواز والرجحان بقوّتها. وهكذا فيما نحن فيه ، فإنّ دليل الناسخ يوجب نسخ وجوب دليل المنسوخ فقط ، ويبقى جوازه ورجحانه بقوّته ، فما نسخ وجوبه محكوم برجحان الفعل وجوازه.