وأشكل عليه : بأنّ الترك ومجرّد أن لا يفعل خارج عن الاختيار ، والحال أنّه لا بدّ من كون المأمور به مقدورا للمكلّف ، فلا يصحّ أن يتعلّق به البعث والطلب.
وأجاب عنه بقوله : إنّ الترك أيضا يكون مقدورا ، وإلّا لما كان الفعل مقدورا وصادرا بالإرادة والاختيار ، وكون العدم الأزلي لا بالاختيار لا يوجب أن يكون كذلك بحسب البقاء والاستمرار الذي يكون بحسبه محلّا للتكليف.
والدليل على عدم صحّة قوله قدسسره : أنّه قد مرّ في بحث الضدّ أنّ عدم أحد الضدّين وتركه لا يمكن أن يكون مقدّمة لفعل الضدّ الآخر ؛ إذ العدم ليس بشيء حتّى يتّصف بشيء آخر ، وإثبات المقدّميّة بعنوان الوصف والحالة له فرع ثبوته ، فإنّ ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، ولا يمكن اتّصاف العدم بالتقدّم والتأخّر والتقارن ؛ إذ لا حظّ له من الوجود ، من دون فرق بين عدم المطلق وعدم المضاف وعدم الملكة ، ولذا لا يمكن أن يكون متعلّق الطلب في النواهي عبارة عن ترك الطبيعة وعدمها.
سلّمنا أنّ البعث والزجر من الامور الاعتباريّة ، ولكن لا وسعة لدائرتها بحيث يجوز الاعتبار بأيّ نحو كان ؛ إذ الملكيّة أمر اعتباري ولكن لا يمكن جعل المالك أمرا عدميّا ، فلا بدّ على هذا القول أن يكون متعلّق الطلب في النواهي عبارة عن كفّ النفس.
ثمّ إنّه لا دلالة لصيغة النهي على الدوام والتكرار كما لا دلالة لصيغة الأمر ، إلّا أنّ سقوط الأمر وحصول الغرض في باب الأوامر يتحقّق بوجود فرد واحد من الطبيعة في الخارج ، وفي باب النواهي لا يتحقّق عدم الطبيعة إلّا