المذكور بين الأوامر والنواهي على المسألة العقليّة.
والتحقيق : أنّ الفرق المذكور بينهما مسألة مسلّمة عقلائيّة ، ولا شكّ في اعتبار فهم العرف والعقلاء إن لم يكن في الشريعة دليل على خلافه ، سيّما في باب التفهيم والتفهّم.
والمهمّ في بحث الفرق بين الأوامر والنواهي أنّ الأمر يسقط بالعصيان والمخالفة كما يسقط بالإطاعة والموافقة ، بخلاف النهي فإنّه لا يسقط بالموافقة ولا بالعصيان ؛ إذ لا شكّ في بقاء لا تشرب الخمر بقوّته بعد ترك شرب الخمر في مورد واحد أو موارد متعدّدة ، وهكذا بعد شربه كذلك ، فيتحقّق في باب الأوامر موافقة واحدة ومخالفة واحدة ، وفي باب النواهي موافقات متعدّدة حسب تعدّد الأفراد المنهي عنها ومخالفات كذلك ، ويتحقّق البحث والاختلاف في منشأ هذا الفرق.
وقال المحقّق الخراساني قدسسره (١) : «ثمّ إنّه لا دلالة للنهي على إرادة الترك لو خولف ، أو عدم إرادته ، بل لا بدّ في تعيين ذلك من دلالة ولو كان إطلاق المتعلّق من هذه الجهة ، ولا يكفي إطلاقها من سائر الجهات».
توضيح ذلك : أنّه لو عصى النهي ـ كقوله : «لا تشرب الخمر» بإيجاد فرد واحد من شربه خارجا أو وافق النهي كذلك ـ فلا دلالة لصيغة النهي على حرمة سائر الأفراد ، ولا على عدم حرمتها ، بل لا بدّ في تعيين ذلك من دليل مستقلّ وإن كان الدليل عبارة عن إطلاق المتعلّق من هذه الجهة ؛ إذ يمكن تحقّق الإطلاق لمتعلّق النهي في مثل قوله : «لا تشرب الخمر» من جهات مختلفة ، كالإطلاق من حيث الزمان والمكان والظرف والإناء ، ولكنّه لا يفيد
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٢٣٢.