لا ينافي الدليل المخصّص.
ومبنى البراءة أنّ بعد عدم صحّة التمسّك بالدليل الخاص بلحاظ إجماله وعدم صحّة التمسّك بأصالة العموم بلحاظ المغلوبيّة بحجّة أقوى ، فيرجع الشكّ في وجوب إكرام كلّ من الشخصين إلى الشكّ في التكليف ، وهو مجرى أصالة البراءة.
ولكنّ التحقيق القول بالتفصيل بين العام الاستغراقي والمجموعي ، بأنّ العام إن كان مجموعيّا ـ ومعناه توجّه تكليف واحد إلى المكلّف وتحقّق موافقة واحدة ـ فلا بدّ من إكرامهما معا ؛ إذ العلم بموافقة التكليف متوقّف على إكرامهما معا ، وهو لا ينافي الدليل المخصّص.
وإن كان استغراقيّا ـ ومعناه تحقّق حكم مستقلّ لكلّ واحد من أفراد طبيعة العالم ـ فبعد إكرام بقيّة العلماء يرجع الشكّ في وجوب إكرام كلّ من الشخصين إلى الشكّ في التكليف ، وهو مجرى البراءة ، ومعلوم أنّه لا يتحقّق هنا العلم الإجمالي الوجداني حتّى يلزم اكرامهما معا ، بل تتحقّق أصالة العموم ، وبعد مغلوبيّتها بحجّة أقوى لا يبقى لها ظهور.
توضيح ذلك : أنّه كما أنّ العلم الإجمالي بخمريّة أحد الإناءين يوجب الاجتناب عن الإناءين المشتبهين ، كذلك تحقّق البيّنة الشرعيّة على خمريّة أحدهما يوجب اجتنابه ، فيكون كلاهما موضوع لأصالة الاشتغال ، ومع ذلك يكون ما نحن فيه مجرى للبراءة ؛ إذ لا شكّ في تحقّق أصالة العموم ، ولكن بعد تخصيصها وترديد المخصّص بين الشخصين يتحقّق العلم الإجمالي بعدم حجّيّتها بالنسبة إلى واحد منها ، والترديد يوجب عدم حجّيّتها بالنسبة إليهما معا ، أي تساقط أصالة العموم بالنسبة إليهما.