كان المخصّص منفصلا دليلان وظهوران ، ولذا لا بدّ لنا من أخذ طريق آخر هنا.
وقال صاحب الكفاية قدسسره (١) : إنّ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جواز التمسّك بالعام هنا : إنّ المخصّص إذا كان منفصلا ينعقد للعام ظهور في العموم ، ولا مانع عن حجّيّته إلّا بالنسبة إلى ما يكون الخاصّ حجّة فعليّة فيه ، وهو الأفراد التي يعلم انطباق الخاصّ عليها ، ولا يكون الخاصّ حجّة فيما اشتبه أنّه من أفراده ، كالعالم المشكوك الفسق حتّى يزاحم حجّيّة العامّ ، فيجوز التمسّك بالعامّ فيه ؛ لكونه من أفراده التي لم يثبت خروجها عن حكمه ، ولا يكون في مقابله حجّة أقوى منه.
ثمّ قال : وهو في غاية الفساد.
وتوضيح كلامه يحتاج إلى بيان مقدّمة ، وهي : أنّ اتّصاف الدليل بالحجّيّة بمعنى إمكان احتجاج المولى به على المكلّف وبالعكس يحتاج إلى تحقّق ثلاثة مراحل :
الاولى : أن يكون له ظهور ، ولا يكون مجملا أو مشتركا بلا قرينة.
الثانية : أن تتحقّق أصالة الظهور ، بمعنى استعمال المتكلّم للفظ في معناه الظاهر.
الثالثة : أن تتحقّق أصالة التطابق بين الإرادة الاستعماليّة والجدّيّة ، وإن لم تتحقّق مرحلة منها فلا يمكن الاحتجاج به.
إذا عرفت هذا فنقول : إنّ العامّ إن كان خاليا عن المخصّص تتحقّق فيه جميع المراحل المذكورة ، وتخصيصه يوجب عدم تحقّق المرحلة الثالثة فيه ؛ إذ هو
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٣٤٢.