هذا كلّه في المخصّص اللفظي ، وأمّا في المخصّص اللبّي ـ بأن لا يكون في الكلام إلّا العامّ ، لكنّ العقل يدرك أنّ المتكلّم لا يريد بعض أفراده ـ فهل يجوز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة أم لا؟
فصّل صاحب الكفاية قدسسره (١) في ذلك ، وحاصل تفصيله : أنّ الخاصّ اللبّي على قسمين :
أحدهما : أنّ الخاصّ اللبّي إن كان ممّا يصحّ عرفا أن يتّكل عليه المتكلّم بأن يكون حكما عقليّا ضروريّا ؛ بحيث يعدّ عرفا من القرائن المتّصلة المانعة عن انعقاد ظهور للعامّ في العموم والموجبة لظهوره في الخاصّ من أوّل الأمر ، فهو كالخاصّ المتّصل اللفظي في عدم جواز التمسّك بالعامّ لإحراز حكم الفرد المشكوك.
وثانيهما : أنّ الخاصّ اللبّي إذا لم يكن حكما عقليّا ضروريّا بأن كان نظريّا متوقّفا على الدقّة والالتفات فيجوز التمسّك فيه بالعامّ ، فإنّه ظاهر في العموم ، وهذا الظاهر حجّة ما لم تقم قرينة على خلافه ، فيبقى العامّ على حجّيّته في المصداق المشتبه.
والسرّ في ذلك : أنّ الكلام الملقى من السيّد هنا ليس إلّا كلاما واحدا وحجّة واحدة ، وهو العامّ الظاهر في العموم ، فلا بدّ من اتّباعه ما لم يقطع بخلافه.
مثلا : إذا قال المولى : «أكرم جيراني» وقطع المكلّف بأنّه لا يريد إكرام من كان عدوّا له منهم ، كانت أصالة العموم باقية على الحجّيّة بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام ؛ للعلم بعداوته ؛ لعدم حجّة اخرى بدون ذلك على خلافه ، ففي الفرد المشكوك العداوة يرجع إلى العامّ ؛ إذ الخارج عن حيّز
__________________
(١) كفاية الاصول ١ : ٣٤٣ ـ ٣٤٤.