في كلّ علم إجمالي تردّدت أطرافه بين الأقلّ والأكثر ، فإنّه لو سئل عن مقدار معلومه الإجمالي بأنّه يصل إلى حدّ وعدد يكون الزائد عليه مشكوكا لكان الجواب بأنّه لا علم لي بأزيد من ذلك ، ومقتضى ذلك هو أنّه لو عثر على ذلك المقدار المتيقّن ينحلّ العلم الإجمالي، ولا يجب الفحص في سائر الشبهات ، بل ينبغي أن تجري أصالة العموم بلا فحص ، مع أنّه واجب لدى العقلاء عند كلّ شبهة شبهة ، فلا بدّ أن يكون الملاك لوجوب الفحص غير العلم الإجمالي.
وقال المحقّق النائيني قدسسره (١) في مقام الدفاع عن المستدلّ : بأنّ المعلوم بالإجمال تارة يكون مرسلا غير معنون بعنوان يشار إليه بذلك العنوان ، واخرى يكون معنون بعنوان يشار إليه بذلك العنوان ، وانحلال العلم الإجمالي بالاطّلاع على المقدار المتيقّن إنّما يكون في القسم الأوّل ، وأمّا القسم الثاني فلا ينحلّ بذلك ، بل حاله حال دوران الأمر بين المتباينين.
وضابط القسمين هو : أنّ العلم الإجمالي كلّيا إنّما يكون على سبيل المنفصلة المانعة الخلوّ المنحلّة إلى قضيّتين حمليّتين ، وهاتان القضيّتان تارة تكونان من أوّل الأمر إحداهما متيقّنة والاخرى مشكوكة ؛ بحيث يكون العلم الإجمالي قد نشأ منهما ، ويكون العلم الإجمالي عبارة عن ضمّ قضيّة مشكوكة إلى قضيّة متيقّنة ليس إلّا ، كما إذا علم إجمالا بأنّه مديون لزيد وتردّد الدّين بين أن يكون خمسة دراهم أو عشرة ، فإنّ هذا العلم الإجمالي ليس إلّا عبارة عن قضيّة متيقّنة ، وهي كونه مديونا لزيد بخمسة دراهم ، وقضيّة مشكوكة ، وهي كونه مديونا لزيد بخمسة دراهم زائدا على الخمسة المتيقّنة ، ففي مثل هذا العلم الإجمالي ينحلّ قهرا بالعثور على المقدار المتيقّن ؛ إذ لا علم حقيقة بسوى ذلك ،
__________________
(١) فوائد الاصول ١ : ٥٤٢ ـ ٥٤٦.