اختلف القوم في جريان أصالة الاشتغال فيه أو البراءة ، وصاحب الكفاية قدسسره قائل بجريان البراءة الشرعيّة فيه دون البراءة العقليّة (١).
ومثال الثالث عبارة عمّا نحن فيه.
والتحقيق : أنّه يعتبر في منجّزيّة العلم الإجمالي أن يكون المعلوم بالإجمال ـ نظير المستصحب ـ حكما شرعيّا أو موضوعا للحكم الشرعي ، مثل : العلم الإجمالي بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة ، أو العلم الإجمالي بخمريّة أحد المائعين ، ولا بدّ هاهنا من الاحتياط.
وأمّا إذا كان المعلوم بالإجمال مقارنا مع موضوع الحكم الشرعي أو ملازما له فلا منجّزيّة للعلم الإجمالي ، ولا يترتّب عليه في الشريعة حكم ، ففي مثال الدين موضوع الحكم الشرعي هو أداء الدين في صورة مطالبة الدائن وقدرة المديون على الأداء ، ولا أثر لإثباته في الدفتر ، وهذا لا يوجب للاحتياط ، أو الموضوع عبارة عن اشتغال الذمّة بالدين ، سواء كان مضبوطا في الدفتر أم لا ، وهكذا فيما نحن فيه ؛ إذ المانع من جريان أصالة العموم عند العقلاء هو العلم الإجمالي بالمخصّصات والمقيّدات ، لا العلم الإجمالي بوجود المخصّصات في الجوامع الروائيّة والكتب التي بأيدينا ، والعلم بالمخصّص نظير العلم بأصل الدين ، والفحص عن القدر المتيقّن منها كاف لجريان أصالة العموم ، والشكّ بالنسبة إلى المخصّصات الزائدة بدويّ ومجرى للبراءة ، فلا يصحّ دفاع المحقّق النائيني قدسسره عن المستدلّ بالعلم الإجمالي ، فإنّ عنوان ما في الدفتر وما في الجوامع الروائيّة لا يكون حكما شرعيّا ولا موضوعا له ، فكيف يكون موجبا للاحتياط؟
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٢٢٨ ـ ٢٣٥.