١٨ ـ قال تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) [الآية ٢٢٨].
البعولة : جمع بعل ، والتاء لاحقة لتأنيث الجمع كما في الحزونة والسهولة. ويجوز أن يراد بالبعولة المصدر ، من قولك : بعل حسن البعولة. يعني : وأهل بعولتهن.
أقول : وردت «فعولة» من أبنية التكسير فيما كان مفردة «فعل» بالفتح فالسكون نحو الحزونة ، والسهولة ، والفحولة ، والخيوطة ، جموع حزن ، وسهل ، وفحل ، وخيط.
ولقد جرت العامية الحضرية في العراق على شيء من هذا ، نحو سير للجلد يقال في جمعه : «سيورة» ، وفي «مهر» يقولون : «مهورة».
فائدة :
من أسلوب القرآن في الحفاظ على نظام الجمل في حدودها ، وأقسامها ، وتساوق بعضها مع بعض ، أن الآية قد تأتي غير كاملة ، فيما يتطلبه المعنى لغرض من الوفاء بنظام هذه الجملة القرآنية ، لتأتي منسجمة مع سائر الجمل في الآيات قبلها وبعدها ، ومن ذلك قوله تعالى :
(ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) (٢١٩) (١).
أقول : إن نهاية الآية كان يمكن أن تنتهي عند قوله تعالى : (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) من الآية التالية ٢٢٠ ، وهي تكملة لقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) ؛ بيد أن من حكمته تعالى أن يحافظ على النظام البديع في نظم جرى على هذا. وأنت إذا أردت أن تستوفي هذه النماذج التي تتصل بلغة القرآن ونظامها وبنائها ، وجدت الشيء الكثير.
ألا ترى أنّ في قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (١٨٦). عناية ما بعدها عناية لما توافر لهذا الأسلوب الحكيم البليغ من النظم البديع ، متمثّلا في الكسر في كلمة (الداع) ، والاستعاضة عن الكسر الطويل بكسر قصير؟ فليس هذا شيئا يتصل برسم القرآن ، وهو مما درج عليه القائلون في
__________________
(١). العفو : نقيض الجهد ، وهو أن ينفق ما لا يبلغ إنفاقه منه الجهد واستفراغ الوسع.