تعالى (أَفَلا تُبْصِرُونَ) وجعل قوله تعالى (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) بدلا من (تُبْصِرُونَ). لان ذلك عنده بصر منهم ، أن يكون عندهم هكذا ، وهذه «أم» التي تكون في معنى «أيّهما». وقد قال قوم «إنّها يمانيّة» ، وذلك أن أهل اليمن ، يزيدون «أم» في جميع الكلام. وأمّا ما سمعنا من اليمن ، فيجعلون «أم» مكان الألف واللام الزائدتين ، يقولون «رأيت امرجل» و «قام امرجل».
يريدون «الرجل (١). ولا يشبه أن تكون (أَمْ أَنَا خَيْرٌ) على لغة أهل اليمن. وقد زعم أبو زيد (٢) أنّه سمع أعرابيّا فصيحا ، ينشدهم (٣) [من الرجز وهو الشاهد الثاني عشر] :
يا دهر أم كان مشيي رقصا |
|
بل قد تكون مشيتي ترقّصا (٤) |
فسأله فقال : «معناه ما كان مشيي رقصا ف «أم» ها هنا زائدة. وهذا لا يعرف. وقال علقمة بن عبدة (٥) [من الطويل وهو الشاهد الثالث عشر] :
وما القلب لها أم ما ذكره ربعيّة (٦) |
|
يخطّ لها من ثرمداء قليب |
يريد «ما ذكره ربعيّة» يجعله بدلا من «القلب» ، وقال بعض الفقهاء : «إنّ معناه أنّه قال فرعون (أَفَلا تُبْصِرُونَ) (٥١) [الزخرف] أم أنتم بصراء». وقال الشاعر (٧) [من الطويل وهو الشاهد الرابع عشر] :
__________________
(١). لغة اليمن هذه تكلم عليها ابن منظور في اللسان «أمم» ، وأوردتها كتب اللهجات ، راجع لها «اللهجات للجندي ٣١١» وفيه إشارة إلى مواضع أخرى لها في اللسان وغيره ، وراجع مميّزات لغات العرب (١٢).
(٢). هو أبو زيد الأنصاري ، ترجم له في أخبار النحويين ٤١ ، ومراتب النحويين ٤٢ ، وبغية الوعاة ٢٥٥.
(٣). روى الجوهري البيت في الصحاح «أمم» ، ولم ينسبه ، وكذلك فعل ابن منظور في اللسان «أمم» ولم ينسبه ، ورواه البغدادي في الخزانة (٤ : ٤٢١) ، ولم يهتد إلى قائله.
(٤). في الصحاح «يا هند» بدل يا دهر في اللسان «يا دهن» و «توقصا» وقال : «أراد يا دهنا» فرخم «وفي الخزانة «توقصا» أيضا.
(٥). هو علقمة بن عبدة الفحل الشاعر التميمي ، كان نديما للحارث الأصغر الغسّاني ، والنعمان الثالث أبي قابوس اللّخمي ، ترجمته في الأغاني (بولاق ٢١ : ١٧٢ وطبقات الشعراء للجمعي ١ : ١٣٩ ت ١٦٨ ، والشعر والشعراء لابن قتيبة ١ : ٢١٨ ت ١٣
(٦). البيت السابع من القطعة الاولى من ديوانه ص ٣٥ ، بلفظ «وما أنت أم ما ذكرها ربعية» ، «وفي اللسان» «ثرمد» : «ربعية» بالضم». «أما ذكرها».
(٧). هو ذو الرّمّة غيلان بن عقبة العدوي المتوفي سنة ١١٧ ه.