صلة لأنّك إن جعلت (يَعِظُكُمْ بِهِ) صلة ل (ما) صار كقولك : «إنّ الله نعم الشيء» أو «نعم شيئا» فهذا ليس بكلام. ولكن تجعل (ما) اسما وحدها ، كما تقول : «غسلته غسلا نعمّا» تريد به : «نعم غسلا». فإن قيل : «هي بمنزلة» «يا أيّها الرّجل» لأنّ «أيّ» هاهنا اسم ولا يتكلم به وحده ، وحتى يوصف فصار (ما) مثل الموصوف هاهنا. لأنك إذا قلت «غسلته غسلا نعمّا» فإنّما تريد المبالغة والجودة ، فاستغني بهذا حتى تكلّم به وحده. ومثل «ما أحسن زيدا» (ما) هاهنا وحدها اسم ، وقوله «إني ممّا أن أصنع كذا وكذا» (ما) ها هنا وحدها اسم ، كأنّه قال تعالى : «إنّي من الأمر» أو «من أمري صنيعي كذا وكذا» ؛ وممّا جاء على المعنى قوله سبحانه (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) [الآية ١٧] لان «الذي» يكون للجميع ، كما قال عزوجل (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٣٣) [الزّمر].
قال تعالى (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [الآية ٩] ولا تكون المفاعلة إلّا من شيئين ، فإنّه إنّما يقول : «(يُخادِعُونَ اللهَ) عند أنفسهم يمنّونها أن لا يعاقبوا وقد علموا خلاف ذلك في أنفسهم» ذلك لحجّة الله الواقعة على خلقه بمعرفته.
(وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) [الآية ٩] وقال بعضهم (يَخْدَعُونَ) (١) كأنّه يقول : «يخدعون أنفسهم بالمخادعة لها» وبها نقرأ.
وقد تكون المفاعلة من واحد في أشياء كثيرة تقول : «باعدته مباعدة» و «جاوزته مجاوزة» في أشياء كثيرة. وقد قال (وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] فذا على الجواب. يقول الرجل لمن كان يخدعه ، إذا ظفر به «أنّا الذي خدعتك» ولم تكن منه خديعة ، ولكن قال ذلك إذ صار الأمر إليه. وكذلك (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) [آل عمران : ٥٤] و (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [الآية ٥١] على الجواب. والله لا يكون منه المكر
__________________
(١). الطبري ١ : ٢٧٧ بلا عزو ، وحجّة ابن خالويه ٤٤ ، وفي السبعة ١٣٩ قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وفي حجّة الفارسي ٢٣٣ كذلك ، وفي التيسير ٧٢ إلى الحرميين وأبي عمرو وفي الجامع ١ : ١٩٦ إلى نافع وابن كثير وأبي عمرو ، وفي البحر إلى الجمهور ، وفي الكشف ١ : ٢٢٤ إلى غير ابن عامر والكوفيّين.