يهمزون. وبنو تميم يقولون في هذا المعنى : «أجزأت عنه وتجزئ عنه شاة» ، وقوله «شيئا» ، كأنّه قال : «لا تجزئ الشاة مجزى ولا تغني غناء». وقوله تعالى (عَنْ نَفْسٍ) يقول : «منها» أي : لا تكون مكانها.
وأمّا قوله تعالى (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) [الآية ٤٨] ، فإنّما ذكر الاسم المؤنّث ، لأنّ كلّ مؤنّث فرّقت بينه وبين فعله ، حسن أن تذكر فعله ، إلّا أنّ ذلك يقبح في الإنس ، وما أشبههم ممّا يعقل. لأنّ الذي يعقل ، أشدّ استحقاقا للفعل. وذلك ، أنّ هذا إنّما يؤنّث ويذكّر ، ليفصل بين معنيين. والموات ك «الأرض» و «الجدار» ، ليس بينهما معنى ، كنحو ما بين الرجل والمرأة. فكل ما لا يعقل يشبّه بالموات ، وما يعقل يشبّه بالمرأة والرجل ، نحو قوله تعالى (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ) (٣) [يوسف] لما أطاعوا صاروا كمن يعقل ، قال تعالى (وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ) [الحشر : ٩] فذكر الفعل حين فرقّ بينه وبين الاسم (١) وقال أيضا (لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ) [الحديد : ١٥] (٢) وتقرأ (تؤخذ) (٣). وقد يقال أيضا ذاك في الانس ، زعموا أنهم يقولون : «حضر القاضي امرأة». فأمّا فعل الجميع ، فقد يذكّر ويؤنّث : لأن تأنيث الجميع ليس بتأنيث الفصل ، ألا ترى أنك تؤنث جماعة المذكّر ، فتقول : «هي الرّجال» و «هي القوم» ، وتسمي رجلا ب «بعال» ، فتصرفه ، لأنّ هذا ، تأنيث مثل التذكير ، وليس بفصل ، ولو سميته ب «عناق» ، لم تصرفه ؛ لأنّ هذا تأنيث ، لا يكون للذّكر ، وهو فصل ما بين المذكر والمؤنث ، تقول : «ذهب الرجل» و «ذهبت المرأة» ، فتفصل بينهما. وتقول : «ذهب النساء» و «ذهبت النساء» و «ذهب الرجال» و «ذهبت الرجال».
__________________
(١). في إعراب القرآن ١ : ٤٦ نسبت هذه الآراء إلى سيبويه ، والرأي الأخير وحده إلى الأخفش.
(٢). في معاني القرآن ٣ : ١٣٤ والطبري ٢٧ : ٢٢٨ ، والجامع ١٧ : ٢٤٧ ، والبحر ٨ : ٢٢٢ ، إلى جمهور عامّة القرّاء. وفي السبعة ٦٢٦ ، والحجّة ٢١٥ ، والكشف ٢ : ٣٠٩ ، والتيسير ٢٠٨ استثنى منهم ابن عامر.
(٣). في السبعة ٦٢٦ ، والحجّة ٢١٥ ، والكشف ٢ : ٣٠٩ ، والتيسير ٢٠٨ إلى ابن عامر وزاد في الجامع ١٧ : ٢٤٧ يعقوب. وفي معاني القرآن ٣ : ١٣٤ إلى بعض أهل الحجاز ، وفي الطبري ٢٧ : ٢٢٨ إلى أبي جعفر القارئ ، وفي الشواذ ١٥٢ زاد «جماعة» ، وهارون عن أبي عمرو ؛ وفي البحر ٨ : ٢٢٢ زاد على ما مرّ ، الحسن وابن أبي إسحاق والأعرج وابن عامر.