كان من حروف اللّين الياء والواو والألف إذا كنّ سواكن. وقرأ بعضهم (أَتُحَاجُّونَنا) [الآية ١٣٩] (١) فلم يدغم ولكن أخفى فجعل حركة الأولى خفيفة وهي متحرّكة في الوزن ، وهي في لغة الذين يقولون : «هذه مائة دّرهم» يشمّون شيئا من الرفع ولا يبيّنون ، وذلك الإخفاء. وقد قرئ هذا الحرف على ذلك (ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) [يوسف : ١١] بين الإدغام والإظهار (٢). ومثل ذلك (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) [يوسف : ١٣] وأشباه هذا كثير ، وإدغامه أحسن (٣) حتّى يسكّن الأوّل.
قرأ بعضهم من الآية ١٤٠ من المائدة : (أم يقولون إنّ إبراهيم) (٤) وقد قرأ بعضهم «أم تقولون» [الآية ١٤٠] (٥) على (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا) و «أم تقولون». ومن قرأ (أم يقولون) جعله استفهاما مستأنفا كما تقول : «إنّها لإبل» ثمّ تقول : «أم شاء» (٦).
قال تعالى (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً) [الآية ١٤٣] قال : يعني «القبلة» (٧) ولذلك أنّث.
وقال تعالى (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا
__________________
(١). في الجامع ٢ : ١٤٥ إلى الجماعة عدا ابن محيصن ، وفي البحر ١ : ٤١٢ إلى الجمهور.
(٢). في معاني القرآن ٢ : ٣٨ أورد القراءتين ولم ينسبهما ، وفي تأويل ابن قتيبة ٣٩ ذكر إشمام الضمّ مع الإدغام ، وفي السبعة ٣٤٥ ذكر إجماعهم على فتح الميم ، وإدغام النون الأولى في الثانية ، والإشارة إلى إعراب النون المدغمة بالضمّ. وفي التيسير ١٢٧ نسب إلى كلّهم الإدغام مع إشمامها الضم. أمّا في الجامع ٩ : ١٣٨ فإلى يزيد بن القعقاع وعمرو بن عبيد والزهري ، قراءة الإدغام بغير إشمام ، وإلى طلحة بن المصرف لا تأمننا بنونين ظاهرتين على الأصل ، وإلى سائر الناس الإدغام والإشمام ، وفي البحر ٥ : ٢٨٥ إلى زيد بن علي وأبي جعفر والزهري وعمرو بن عبيد ، الإدغام بلا إشمام ، وإلى الجمهور الإدغام والإشمام.
(٣). في البحر ٥ : ٢٨٦ ، قراءة تشديد النون إلى زيد بن علي وابن هرمز وابن محيصن ؛ وقراءة الفكّ إلى الجمهور.
(٤). في المصحف بالتاء المثناة من فوق في «يقولون» والقراءة بالياء في السبعة ١٧١ ، إلى ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر ، وإلى أبي عمرو. وفي الكشف ١ : ٢٦٦ إلى غير من قرأ بالأخرى ، وأخذ بها الحسن وأبو عبد الرحمن وأبو رجاء وقتادة وأبو جعفر يزيد وشيبة ، وهي اختيار أبي حاتم ، وفي التيسير ٧٧ إلى غير من أخذ بالأخرى ، وفي حجّة ابن خالويه ٦٦ والكشّاف ١ : ٩٧ والاملا ١ : ٦٦ بلا نسبة.
(٥). في السبعة ١٧١ إلى ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم ، وفي الكشف ١ : ٢٦٦ ، والتيسير ٧٧ ، والجامع ٢ : ١٤٦ كذلك ، وفي حجّة ابن خالويه ٦٦ ، والكشاف ١ : ١٩٧ ، والاملا ١ : ٦٦ بلا نسبة.
(٦). في إعراب القرآن ١ : ٨٠ ، أنّ الأخفش يرى في هذا قيام «أم» مقام «بل».
(٧). في الجامع ٢ : ١٥٧ وقال الأخفش : أي : وإن كانت القبلة أو التحويلة أو التولية لكبيرة». فلعلّ القرطبي أفاد هذه المعاني من كتب أو روايات أخرى للأخفش. وفي البحر ١ : ٤٢٥ ، جاء رأي الأخفش مقصورا على القبلة.