لأنّ حرصهم على الحياة أشدّ ، لأنّهم كانوا لا يؤمنون بالبعث.
فإن قيل : قوله عزوجل : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) [الآية ١٠٢] يدلّ على أن علم السحر لم يكن حراما.
قلنا : العمل به حرام ، لأنّهما كانا يعلّمان الناس السحر ليجتنبوه ، كما قال الله تعالى : (وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [الآية ١٠٢]. نظيره لو سأل إنسان : ما الزنا؟ لوجب بيانه له ليعرفه فيجتنبه.
فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١٠٢) لم أثبت لهم العلم أولا مؤكدا بلام القسم ، ثم نفاه عنهم.
قلنا : المثبت لهم ، أنّهم علموا علما إجماليّا ، أنّ من اختار السحر ماله في الاخرة من نصيب ؛ والمنفي عنهم ، أنّهم لا يعلمون حقيقة ما يصيرون إليه ، من تحسّر الاخرة ، ولا يكون لهم نصيب منها ؛ فالمنفي غير المثبت ، فلا تنافي.
فإن قيل : لم قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١٠٣) وإنّما يستقيم أن يقال : هذا خير من ذلك ، إذا كان في كل واحد منهما خير ، ولا خير في السحر؟
قلنا : خاطبهم على اعتقادهم أنّ في تعلم السحر خيرا ، نظرا منهم إلى حصول مقصودهم الدنيويّ به.
فإن قيل : لم قال سبحانه هنا : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) [الآية ١٢٦] وقال في سورة إبراهيم صلوات الله عليه : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : ٣٥]؟
قلنا : في الدّعوة الأولى كان مكانا قفرا ، فطلب منه أن يجعله بلدا آمنا ؛ وفي الدعوة الثانية كان بلدا غير آمن فعرّفه وطلب له الأمن ، أو كان بلدا آمنا فطلب له ثبات الأمن ودوامه.
فإن قيل : أيّ مدح وشرف لإبراهيم صلوات الله عليه في قوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (١٣٠) مع ما له من شرف الرسالة.
قلنا : قال الزجاج : المراد بقوله تعالى : (لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (١٣٠) أي لمن الفائزين.
فإن قيل : الموت ليس في وسع