[الحاقة : ٤٧] فكأنّه قال : لا نفرق بين آحاد من رسله كقولك : المال بين آحاد الناس ، ولأنّ أحدا يصلح للمفرد المذكر والمؤنث ، وتثنيتهما وجمعهما نفيا وإثباتا ، تقول : ما رأيت أحدا إلّا بني فلان ، أو إلّا بنات فلان سواء ، وتقول إن جاءك أحد بكتابي فأعطه وديعتي ، يستوي فيه الكلّ ؛ فالمعنى لا نفرّق بين اثنين منهم أو بين جماعة منهم ، ومنه قوله تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ) [الأحزاب : ٣٢].
فإن قيل : من أين دلّ قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [الآية ٢٨٦] على أنّ الأوّل في الخير ، والثاني في الشر؟
قلنا : قيل هو من كسب واكتسبت ، فإنّ الأول للخير والثاني للشر ، وهذا الرأي ليس دقيقا ، وليس لديه دليل ، لقوله تعالى : (وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً) [النساء : ١١٢] وقوله سبحانه : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (٣٨) [المدّثّر] وقوله : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) [الشورى : ٣٤] وقوله : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً) [الشورى : ٢٣] والاقتراف والاكتساب بمعنى واحد. وقيل : هو من «اللّام» و «على» ، وليس هذا الرأي بدليل أيضا ، لقوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (٢٥) [الرعد] وقوله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] وقوله تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) [الآية ١٥٧]. اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ «اللّام» و «على» عند الإطلاق يقتضيان ذلك ، أو لأنّهما يستعملان لذلك عند تقاربهما ، كما في هذه الآية ، لا نفرّق بين ذكر الحسنة والسيئة ، أو الحسن والقبيح ، ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) [الأنعام : ١٦٤] أطلقه ، وأراد به الشرّ بدليل ما بعده. وقولهم : الدهر يومان : يوم لك ويوم عليك. وقولهم : فلان يشهد لك وفلان يشهد عليك. ويقول الرجل لصاحبه : هذا الكلام حجّة عليك لا لك ، قال الشاعر :
على أنّني راض بأن أحمل الهوى |
|
وأخلص منه لا عليّ ولا ليا |
وأمّا قوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) [فصّلت : ٤٦] وإن كان مقيّدا ، إلّا أنّ فيه دلالة أيضا ، من جهة «اللّام» و «على» ، لأنّ القيد شامل للظرفية.