وقوله تعالى : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١٠٢) هذه استعارة : لأنّ بيع نفوسهم على الحقيقة لا يتأتّى لهم. والمراد به ـ والله أعلم ـ أنّهم لمّا أوبقوا أنفسهم بتعلّم السحر ، واستحقّوا العقاب على ما في ذلك من عظيم الوزر ، كانوا كأنّهم قد رضوا بالسّحر ثمنا لنفوسهم ، إذ عرّضوها بعمله للهلاك ، وأوبقوها لدائم العقاب. وكانت كالأعلاق الخارجة عن أبدانهم بأنقص الأثمان ، وأدون الأعواض.
وقوله سبحانه : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [الآية ١١٢] أي أقبل على عبادة الله سبحانه ، وجعل توجّهه إليه بجملته لا بوجهه دون غيره. والوجه هاهنا استعارة.
وقوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [الآية ١١٥] أي جهة التقرب إلى الطريق الدالّة عليه ، ونواحي مقاصده ومعتمداته الهادية اليه.
وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [الآية ١٣٠] والتقدير : سفه نفسا ، على أحد التأويلات. وهذه استعارة. لأنّه تعالى علّق السّفه بالنفس. وقولنا : نفس فلان سفيهة : مستعارة ، وإنّما السّفه صفة لصاحب النفس لا للنّفس.
وقوله تعالى : (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) [الآية ١٣٣] أي ظهرت له علاماته ، ووردت عليه مقدّماته ، فهي استعارة. لأنّ الموت لا يصح عليه الحضور على الحقيقة.
وقوله تعالى : (صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) [الآية ١٣٨] أي دين الله ، وجعله بمنزلة الصّبغ لأنّ أثره ظاهر ، ووسمه لائح. وهذا من محض الاستعارة.
وقوله سبحانه : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الآية ١٥٠] فهذه استعارة على قول من قال : إنّ الشطر هاهنا البعد. أي ولّ وجهك جهة بعده. إذ لا يصح أن تولّي وجهك جهة بعد المسجد على الحقيقة.
وقوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) [الآية ١٦٨] أي لا تنجذبوا في قياده ، لأنّ المنجذب في قياده (١) غيره
__________________
(١). في الأصل «في قيادة». وقد جعلناها «قياد» بدلا من «قيادة» تمشيا مع ما جرى عليه المؤلف في قوله : «لا تنجذبوا في قياده).