اقتضاه تكوّن المسلمين جماعة متميزة عن غيرها ، في عبادتها ومعاملاتها وعاداتها.
وقد ذكرت السورة من ذلك القصاص في القتل العمد ، وذكرت الصيام والوصية والاعتكاف ، والتحذير من أكل أموال الناس بالباطل. وذكرت الأهلّة وأنّها جعلت ليعتمد الناس عليها في أوقات العبادة والزراعة غيرها ، وذكرت الحجّ والعمرة ، وذكرت القتال وسببه الذي يدعو إليه ، وغايته التي ينتهي إليها. وذكرت الخمر والميسر واليتامى ، وحكم مصاهرة المشركين ؛ وذكرت حيض النساء والتطهر منه والطلاق والعدّة والخلع والرّضاع. وذكرت الأيمان وكفّارة الحنث فيها ، وذكرت الإنفاق في سبيل الله ، وذكرت البيع والربا ، وذكرت طرق الاستيثاق في الديون بالكتابة والاستشهاد والرهن. ويبدأ هذا السياق من قوله تعالى بعد آية البر :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) [الآية ١٧٨].
إلى ما قبل آخر السورة. وكان يتخلل كل ذلك ـ على طريقة القرآن ـ ما يدعو المؤمنين إلى التزام هذه الأحكام وعدم الاعتداء فيها ، من قصص ووعد ووعيد ، وإرشاد إلى سنن الله في الكون والجماعات ، ثم تختم سورة البقرة ببيان عقيدة المؤمنين على نحو ما بدأت في بيان أوصاف المتقين.
ونجد في آخر السورة قوله تعالى :
(آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٢٨٦)
ومن ثم يتناسق البدء والختام وتتجمّع موضوعات السورة وأهدافها ، ويؤكد آخرها أولها وتصير السورة كتلة واحدة ، ينتفع المسلمون بها في تنظيم أحوالهم في العبادات والمعاملات. وهي دعامة من دعائم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر قال تعالى :