على الترتيب الواقع فيها ، ولهذا كان صدر سورة النساء في ذكر اليهود ، وآخرها في ذكر النصارى (١).
الوجه الثالث : أنّ سورة البقرة أجمع سور القرآن للأحكام والأمثال ، ولهذا سمّيت في أثر : فسطاط القرآن (٢). الذي هو : المدينة الجامعة ، فناسب تقديمها على جميع سوره.
الوجه الرابع : أنّها أطول سورة في القرآن ، وقد افتتح بالسبع الطوال (٣) ، فناسب البداءة بأطولها.
الوجه الخامس : أنّها أول سورة نزلت بالمدينة ، فناسب البداءة بها ، فإنّ للأولية نوعا من الأولوية.
الوجه السادس : أنّ سورة الفاتحة كما ختمت بالدعاء للمؤمنين بألّا يسلك بهم طريق المغضوب عليهم ولا الضالّين إجمالا ، ختمت سورة البقرة بالدعاء بألّا يسلك بهم طريقهم في المؤاخذة بالخطإ والنسيان ، وحمل الإصر ، وما لا طاقة لهم به تفصيلا ، وتضمّن آخرها أيضا الإشارة إلى طريق المغضوب عليهم والضالّين بقوله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [الآية ٢٨٥]. فتاخت السورتان وتشابهتا في المقطع ، وذلك من وجوه المناسبة في التتالي والتناسق.
__________________
(١). وذلك قوله تعالى في سورة النساء : (مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) [الآية ٤٦] ، وما ألحق بعدها. وقوله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ) (١٧١) [النساء].
(٢). أخرجه الدارمي : ٢ : ٤٤٦ عن خالد بن سعدان.
(٣). السبع الطوال هي : البقرة ، وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، ويونس ، وسيأتي سبب وضع الأنفال والتوبة بينها.