واعلم : أنّ هذا الدليل العقليّ ، كبعض ما تقدّم من الأدلّة النقليّة ، معلّق على عدم تماميّة أدلّة الاحتياط فلا يثبت به إلّا الأصل في مسألة البراءة ولا يعدّ من أدلّتها بحيث تعارض أخبار الاحتياط.
______________________________________________________
فلو قيل : ان الغرض من تكليف الجاهل : صدور الدعاء ، أو ترك التتن على نحو القضية الاتفاقية ، أي : اتفاقا وصدفة يصدر منه الفعل والترك وذلك من دون توجه الشاك إلى التكليف ، ومن دون أن يكون التكليف المجهول محركا ، كما في سائر المباحات ، حيث ان الانسان قد يرتكبه وقد لا يرتكبه صدفة.
قلنا : جعل هذا الأمر الأحياني والاتفاقي غرضا للتكليف عبث ، لوضوح : ان الدعاء قد يحصل أحيانا صدفة والتتن قد يترك أحيانا صدفة ، سواء كان في الواقع تكليف أم لم يكن؟.
وعليه : فلا يمكن أن يكون مراد ابن زهرة ومن تبعه من كلامه : بان التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق ، الّا ما ذكرناه : من الاحتمال الأوّل وهو : ان مراده : الامتثال به واتيانه بقصد الطاعة.
(واعلم : انّ هذا الدليل العقلي) الذي ذكره ابن زهرة (كبعض ما تقدّم من الأدلّة النقلية) من الكتاب والسنّة والاجماع (معلّق على عدم تمامية أدلّة الاحتياط) ومع تماميتها لا يبقى مجال لهذا الدليل ، اذ موضوع هذا الدليل هو : التكليف بما لا طريق إلى العلم به ، والحال ان دليل الاحتياط يكون سببا للعلم.
وعليه : (فلا يثبت به) أيّ بهذا الدليل العقليّ الذي أقامه ابن زهرة (الّا الأصل في مسألة البراءة) أيّ : ان هذا الدليل العقليّ يدل على البراءة فيما اذا لم يكن هناك دليل على خلاف البراءة (ولا يعدّ من أدلتها) أيّ : من ادلة البراءة ، كما للاحتياط ادلة (بحيث تعارض أخبار الاحتياط).