فان قلت : فكيف يستصحب الحكم الشرعي مع أنّه كاشف عن حكم عقلي مستقلّ ، فانّه إذا ثبت حكم العقل بردّ الوديعة ، وحكم الشارع على وجوب الردّ ثمّ عرض ما يوجب الشك مثل : الاضطرار والخوف فيستصحب الحكم مع أنّه كان تابعا للحكم العقلي.
______________________________________________________
هذا الماء كرا ، وذلك بخلاف الشك في الموضوع لاشتباه خارجي ، فانه لا يمنع عن استصحاب نفس الموضوع.
والحاصل : ان عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية ، إنّما هو لأجل عدم إمكان فرض الشك فيها ، مضافا إلى عدم العلم ببقاء الموضوع الذي هو شرط جريان الاستصحاب على ما عرفت.
(فان قلت) : إذا لم يستصحب الحكم العقلي : (فكيف يستصحب الحكم الشرعي مع أنّه) أي : الحكم الشرعي (كاشف عن حكم عقلي مستقلّ)؟ فإذا لم يستصحب في المتبوع الذي هو حكم العقل ، لم يستصحب في التابع الذي هو حكم الشرع أيضا ، وذلك لقاعدة الملازمة القائلة : بأنه كلّما حكم به العقل حكم به الشرع ، وكلّما حكم به الشرع حكم به العقل.
وعليه : (فانّه إذا ثبت حكم العقل بردّ الوديعة ، وحكم الشارع) الثابت بالأدلة الثلاثة الأخر (على وجوب الردّ) أيضا (ثمّ عرض ما يوجب الشك) في انه هل يجب الردّ أو لا يجب؟ (مثل : الاضطرار) إلى استعمال الوديعة (والخوف) بان يكون طريق الردّ غير مأمون (فيستصحب الحكم) الشرعي بوجوب الردّ (مع أنّه كان تابعا للحكم العقلي) الذي ذكرتم انه لا استصحاب فيه ، فالمانع عن استصحاب حكم العقل هو بعينه جار في استصحاب حكم الشرع ، مع إنكم تقولون باستصحاب حكم الشرع.