انها امرأة أحبت. امرأة تكبر الرجل الذي تعلقت به في جاهليتها واسلامها ، فهي لا تملك الا أن تظل معلقة بكلمة منه. وهكذا يتجلى العنصر البشري في القصة ويرسم التعبير الفني فيها بخفقاته.
وفي هذه اللحظة الاخيرة تبدو المرأة وكأنها مؤمنة متحرجة. تبرىء نفسها من خيانة يوسف في غيبته. ولكنها تتحفظ فلا تدعي البراءة المطلقة. لان النفس امارة بالسوء ـ الا ما رحم ربي ـ ثم تعلن ما يدل على ايمانها بالله عزوجل ـ ولعل ذلك كان اتباعا ليوسف ـ (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ).
(وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥) وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧))
البيان : لقد تحققت للملك براءة يوسف بدون ادنى ارتياب ، وتبين له علمه في تفسير الرؤيا وحكمته في طلب تمحيص أمر النسوة ، وتبينت له كرامته واباؤه ، وهو عدم تهافته على الخروج من السجن ولا للقاء الملك. وانه يقف وقفة الرجل الحكيم الخبير ، وانه كان من المظلومين في سجنه كل ذلك وقع في نفس الملك. وزاد عنده احترام يوسف وتقديره له (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي). فهو لا يأتي به من السجن لطلق سراحه ، بل ليستخلصه لنفسه ويأمنه على خزائنه ويسلم اليه تدبير ملكه (فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ : إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ) (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ ...)
وهكذا عوض الله يوسف (ع) عن المحنة تلك المكانة في الارض وهذه البشرى في الاخرة جزاء وفاقا على الايمان والصبر والاحسان (نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) الذين يحسنون