ويفارقون أهلهم. ويتجردون من زينة الارض ومتاع الحياة. هؤلاء الذين يأوون الى الكهف الضيق الخشن المظلم. فاذا الكهف فضاء فسيح رحيب وسيع تنتشر فيه الرحمة ، وتشملهم بالرفق واللين والرخاء. وان الجدران الصلدة لترق ، وان الوحشة لتشف. فاذا الرحمة والرفق والراحة والارتفاق.
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧) وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨))
البيان : هذا مشهد آخر من القصة. ينقل بالكلمات هيئة الفتية في الكهف. كما يلتقطها شريط متحرك. والشمس تطلع على الكهف فتميل عنه كأنها متعمدة. ولفظ تزاور تصور مدلولها. والشمس تغرب فتجاوزهم وهم في فجوة منه. (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ).
ثم يمضي المشهد العجيب وهم يقلّبون من جنب الى جنب في نومتهم الطويلة. فيحسبهم الرائي ايقاظا وهم رقود. وكلبهم يحرسهم ، وهم في هيئة يثيرون الرعب في قلب من يطلع عليهم. وذلك من تدبير الله كي لا يعبث بهم عابث حتى يحين الوقت المعلوم.
وفجأة تدب فيهم الحياة : (وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) : ان السياق يحتفظ بالمفاجأة في عرض نفسه. والفتية يستيقظون وهم لا يعرفون كم لبثوا منذ أن أدركهم النعاس. انهم يفركون أعينهم ويلتفت أحدهم الى الاخرين. فيسأل (كَمْ لَبِثْتُمْ : (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). ثم رأوا ان يتركوا هذه المسألة التي لا طائل وراء البحث فيها. ويدعوا أمرها الى الله تعالى. وان يأخذوا في شأن عملهم فهم جائعون ولديهم نقود فضية. خرجوا بها من المدينة :