مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩) فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤))
البيان : هكذا تنتفض عزّة الايمان في النفس المؤمنة. فلا تبالي بالمال والرجال مهما كثر بدون عناية الله تعالى وعونه. فلا تداري الغنيّ لغتاه ولا الزعيم لوجاهته. ولا تتلعثم في نصر الحق مهما كان المقابل قويا وغنيا. فان القوة التي يستند اليها المتقون المؤمنون هي أقوى وأغنى. من قوة المخلوقات بأجمعها.
وهكذا يستشعر المؤمن دائما وابدا بالعز والافتخار ما زالت عناية الله تحوطه من كل جهة فان فضل الله عظيم وهو يطمع في كرمه. ونقمة الله شديدة وهو يرتقب نزولها على عدوه.
وفجأة ينقلنا سياق القرآن من مشهد النماء والازدهار الى مشهد الدمار والبوار. ومن هيئة البطر والاستكبار الى هيئة الندم والاستغفار. فلقد كان ما توقعه الرجل المؤمن. (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) وهنا يتفرد الله بالولاية والقدرة فلا قوة الا قوته ولا نصر الا نصره. (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) وجعل النادم الخاسر يقلب كفيه أسفا وندما.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (٤٥) الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً (٤٦))
البيان : هذا المشهد يعرض قصيرا خاطفا ليلقى في النفس ظل