الفناء والزوال. فما أقصر هذه الحياة وما أهونها وأوهنها. (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) انهما زينة وقتية زائلة. فلا يجوز أن يوزن بهما الناس ولا ان يقدروا على أساسهما شيئا مما خلق لاجله الانسان. واذا كان أمل الناس عادة يتعلق بالاموال والبنين فان الباقيات الصالحات خير ثوابا وخير أملا. وذلك عند ما تتعلق بها القلوب ويناط بها الرجاء ويرتقب المؤمنون نتاجها وثمارها يوم الخلود.
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (٤٧) وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً (٤٨) وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (٤٩))
البيان : انه مشهد تشترك فيه الطبيعة ويرتسم فيه الهول على صفحاته وصفحات القلوب. مشهد تتحرك فيه الجبال الراسخة فتسير. فكيف القلوب الضعيفة وتبدي فيه الارض عارية.
(لا تجد (فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) هذه الخلائق التي لا يحصى لها عدد. منذ ان قامت البشرية على ظهر هذه الارض الى نهاية الحياة الدنيا. هذه الخلائق كلها محشودة مجموعة. لم يتخلف منها أحد. فالارض مكشوفة مستوية لا تخفي احدا.
(لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) هذا الالتفات من الوصف الى الخطاب يحيي المشهد ويجسمه كأنما هو حاضر اللحظة. لا مستقبل في ضمير الغيب في يوم الحساب.
واننا لنكاد نلمح الخزي والذل والصغار على الوجوه الشاخصة ، وصوت الجليل الرهيب يؤنب ويعاتب (لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وتركتم كل ما كنتم تحافظون عليه وتدافعون به (وَوُضِعَ الْكِتابُ