وفيه ايضا مجال لذلك للتأمل والتدبر. ولكن هذا الانسان لا يتأمل ولا يتدبر هذه الدلائل كلها. ويوجه القلوب اليها في معرض التوكيد لنصرة الله لمن يقع عليه البغي وهو يرد عن نفسه العدوان. وذلك عن طريق القرآن المجيد في استخدام المشاهد الكونية لاستجاشة القلوب. وفي ربط سنن الحق والعدل في الخلق بسنن الكون ونواميس الوجود. (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ). ان لكل امة منهجا وطريقة في الحياة والتفكير والسلوك والاعتقاد. فالامة التي تفتح قلوبها لدواعي الهدى ودلائله في الكون والنفس هي امة مهتدية الى الله بالاهتداء الى نواميسه المؤدية الى معرفة الخالق وطاعته. والامة التي تغلق قلوبها دون تلك الدواعي والدلائل امة ضالة تزداد ضلالا كلما ازدادت اعراضا عن الهدى ودواعيه.
(وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) فانما يجدي الجدل مع أرباب القلوب المستعدة للهدى التي تطلب المعرفة وتبحث حقيقة عن الدليل. لا مع القلوب المغلقة المصرة على الضلال. التي لا تحفل بكل هذا الحشد من الدواعي والدلائل في الانفس والافاق وهي معروضة للانظار والقلوب (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) فالله هو الحكم الذي يحكم بعلم كامل. فلا تخفى عليه خافية في الارض ولا في السماء. ان العقل البشري ليصيبه الكلال وهو يتأمل بعض ما في الكون وما حواه (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)
(وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَما لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٧١) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٢)
يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ