والله عزوجل منزل هذا القرآن وخالق هذا الانسان فهو يعلم ان هذه اللمسة لا تبقي له جارحة غافلة ، ولكن قتل الانسان ما اكفره. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْها). (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ).
ان هذه اللمسان التي تعددت في الآية الواحدة ، لتكشف لنا عن شدة اعتناء هذا الخالق الرحيم في هداية هذا الانسان لما فيه نفعه وصلاحه ، فهو يخاطب الكينونة البشرية وانه لا يدع جانبا واحدا منها الا ويخاطبه بما يثيره ويوقظه من غفلته ويلفت نظره الى خطئه لعله يؤب.
انه لخطاب للعقل والضمير ولجميع الجوارح الحساسة ، وهو يهز الكيان البشري بانذاره يلمسه ويوقظه ، انه لا يسلك به الطريق الجدل البارد ، ولكنه يستحييه لينظر ويتفكر. وترى حرارة الحياة تسري في دواخله وظواهره. وهكذا ينبغي أن يتجه منهج الدعوة الى الله عزوجل فالانسان هو الانسان ـ الموصوف بالنسيان ـ دائما وابدا يحتاج الى الوعظ والتذكير والتنبيه. والقرآن هو القرآن كلام الله العظيم الخبير الحكيم. وخطاب الله لهذا الانسان لا يتغير ولا يتوقف :
(مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ ، وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
ان الذين يضلون ويختارون الضلال على الهدى والعذاب على المغفرة ، سوف يندمون حينما ينتهي الاجل وتزول خدائع الحياة البراقة وينظر المرء ما قدمت يداه ويتمنى ليته كان ترابا.
انهم يضلون لانهم يتغافلون عن النظر والتدبر بعد قيام الحجة البالغة عليهم من الله عزوجل (وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) وما في تركهم من ظلم لانهم هم اختاروا لانفسهم أهواءهم. فهم الذين أغلقوا