لِلنَّاظِرِينَ) فالعصا تحولت ثعبان ويده أصبحت بيضاء. فلم يكن الامر تخييلا. كما يفعله أهل السحر والتمويه. على أعين الناس بدون واقع.
وقد أحس فرعون بضخامة المعجزة وقوتها. فأسرع يقاومها لدفع ما أصاب الناس من الخوف والرعب من هول الثعبان. (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ. إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) وهذا اقرار منه بعظمة المعجزة ولا يمكنه اخفاء ذعره كما أصاب غيره. لكنه أراد التمويه (قال : (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) وهذا تواضع للقوم الذين يجعل نفسه لهم الها. (فَما ذا تَأْمُرُونَ) ومتى كان فرعون يصدر منه هذا.
(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ .. يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) وبالفعل ارسل وعجل في الجمع لهم (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) وتظهر من التعبير حركة الاهاجة والتحميس للجماهير :
(هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) لنترقب فوز السحرة وغلبتهم على معجزة موسى. وهكذا تجمع المصريون بشكل هائل (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ ... قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ). ويبدو المشهد هادئا الا انه يظهر على موسى (ع) الهدوء والاطمئنان (فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ. فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ).
وقعت المفاجأة المذهلة. التي لم يكن احد يحتمل وقوعها ـ فأجهد السحرة أنفسهم على الغلبة ـ وهم جمع كثير. وموسى وحده. وليس معه الا عصاه. واذا بها تلقف كل ما صنعوا ودبروا. واذا حبالهم وعصيهم ليس لها أثر ولا وجود. ولو كان ما فعله موسى وعصاه سحرا لبقيت حبالهم وعصيهم. غاية الامر عند الغلبة بسحر اعظم تبطل هيأتها الاولى وما كانت عليه من الحركة والسعي. وجميع ارباب فن السحر يعرفون ذلك بدون ادنى ارتياب. ولذا لم يروا أثرا لحبالهم وعصيهم وذهلوا. ولم يملكوا أنفسهم من الاذعان بالحق الذي لا يوجد أدنى ارتياب به. وهم أعرف الناس بذلك.