(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ. قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ. رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) وقبل برهة كانوا يحلفون بعزة فرعون ويترقبون الجائزة منه عند الغلبة. ولكن الحق الذي لمسوه بقلوبهم وعقولهم ونواظرهم أذهلهم وقذف الله النور في قلوبهم ليظهر الحق بدون ادنى خفاء. فاذا هم يجدون انفسهم ساجدين لله رب العالمين. ان القلب البشري لعجيب غاية العجب. فان لمسة واحدة تصادف مكانها لتبدله.
وهكذا أنقلب السحرة من مأجورين الى خيار المؤمنين. على مرأى ومسمع من الجماهير الحاشدة ومن فرعون. لا يفكرون فيما يعقب بعد أن أعلن السحرة ايمانهم برب العالمين وكفرهم بفرعون وسلطانه.
ولا بد ان كان لهذا الانقلاب المفاجىء وقع كصاعقة على فرعون وملئه. فالجماهير حاشدة. وانه لانقلاب يتهدد عرش فرعون. اذ يتهدد الاسطورة التي تقوم عليها ألوهية فرعون.
ان لنا ان نقدر ذعر فرعون لهذه المفاجأة. وذعر الملأ من حوله. اذا نحن تصورنا هذه الحقيقة. وهي ايمان الكهنة هذا الايمان الصريح الواضح. عندئذ جن جنون فرعون فلجأ الى التهديد الذي هو سلاح الباطل المغلوب امام الحق القاهر. وتوجه بالتمويه على البسطاء (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) ولم يشعر قلبه الخبيث بتلك اللمسة التي مست قلوب السحرة. ومتى كانت قلوب الطغاة يصلها فيض الخالق العظيم. وهم معلنون له الحرب والعداء.
(إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) وهي تهمة عجيبة لا تفسير لها الا ان بعض هؤلاء السحرة ، كانوا تربية موسى في قصر فرعون ايام تبناه. ولكن فرعون قلب الامر فبدلا من أن يقول : انه تلميذكم قال :