يُصْدِرَ الرِّعاءُ ..) فأطلعناه على سبب انزوائهما لغنمهما انه الضعف فهما امرأتان وهؤلاء رعاة رجال. وأبوهما شيخ كبير.
وهنا ثارت نخوة الاحرار في ضمير موسى (ع) مهما به من تعب وعناء. فتقدم لاقرار الامر في نصابه. تقدم ليسقي للمرأتين اولا. كما ينبغي أن يفعل أهل الغيرة والشهامة. وان كان غريبا ولا سند له ولا ظهير. ولكن هذا كله لا يقعد به عن تلبية دواعي النجدة والمعروف المغروز به. (فَسَقى لَهُما) هذا مما يشهد بنبل هذه النفس البشرية لو تركت نظيفة كما أوجدها خالقها العظيم. (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ) مما يشير الى أن الاوان كان أوان قيظ وحر شديد. ولم يزل متعب مجهد (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) انه يأوى الى ظل زائل. ويتوسل بظل لا يزول وركن من دخله كان من الآمنين. من كل ما يخافه ويخشاه مكفول من كل ما يلزمه ويحتاج اليه.
وما نكاد نستغرق مع موسى (ع) في مشهد المناجاة ، حتى يعجل المناجي بالفرج القريب كأنما السماء تسارع فتستجيب للقلب الضارع الغريب (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ).
يا فرج الله ويا رحمة الله الحنان. (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة. حين تلقى الرجال (عَلَى اسْتِحْياءٍ) في غير تبذل ولا تبرج ولا اغواء. جاءت لتنهي اليه دعوة والدها الشيخ.(إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) فمع الحياء والعفاف والابانة البليغة. فالفتاة الطاهرة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال. والحديث معهم ولا تتكلم الا بمقدار الضرورة. (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ) فقد كان موسى في حاجة الى الامن كما كان في حاجة الى الطعام والراحة. لذلك قال له الشيخ ـ لما عرف أمره ـ (لا تَخَفْ نَجَوْتَ) فلا سلطان لهم على مدين ولا يصلون اليك.