ولقد كان الآباء يعرضون بناتهم على الرجال على عهد رسول الله ص وآله. بل قد تعرض النساء أنفسهن على النبي ص وآله. وكان يتم كل ذلك بصراحة وبساطة. بخلاف عصرنا الميشوم (قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ) ان مواضع العقد وشروط التعاقد لا مجال للغموض فيه ولا حياء. ويقر موسى (ع) العرض ويبرم العقد (وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ).
وتمضي السنوات ـ والظاهر انها العشر ـ (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ ...) لقد نقلت يد القدرة الالهية خطى موسى (ع) خطوة خطوة. منذ أن كان رضيعا في المهد حتى هذه الحلقة. فقد ألقت به في اليم ليلتقطه آل فرعون. وألقت عليه المحبة في قلب فرعون وزوجته وأرسلت اليه الرجل المؤمن لينصحه بالخروج حذرا من فرعون وقومه. وصاحبته في الطريق الصحراوي من مصر الى مدين ثلاثة أيام وهو وحيدا على غير زاد. وجمعته بالشيخ شعيب (ع) ثم الان يعود بعد ما قضى الاجل مع الشيخ. وسار بأهله وساقته الى جانب الطور. انها اليد التي تنقل خطاه كلها لعلها قادته هذه المرة بالليل المظلم. وقد ضل الطريق. كما يبدو وشاهد النار (فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ ...) وتلقى موسى النداء المباشر تلقاه وحيدا في ذلك الوادي العميق في ذلك الليل المظلم. تلقاه يتجاوب به الكون من حوله. وتمتلىء به السموات والارضون. وسجل ضمير الوجود ذلك النداء العلوي. وبوركت البقعة التي وجد فيها النداء. وتميز الوادي الذي كرمه النداء. ووقف موسى في أكرم موقف يلقاه انسان واستطرد النداء.
(وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢)