قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥))
البيان : فألقى موسى (ع) عصاه اطاعة لأمر مولاه. ولكن ماذا جرى. انها لم تعد عصا. بل انقلبت حية تسعى وتتحرك بخفة وسرعة وهي حية كبيرة. (فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً) انها المفاجأة لتي لم تكن بحسبانه. ولم يفكر في العودة اليها بل تركها وولى مدبرا واذا النداء (يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) ان الخوف والامن قد يتعاقبان سريعا على نفس الانسان بدون اختيار اذا حصلت أسبابهما فجأة. وكيف لا يأمن من أيقن أن المخاطب له والمتكفل بذلك هو من بيده أزمة الامور. واذا قال للشيء كن فيكون مهما كان شكله وطبيعته (اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) ولبى الطاعة موسى (ع) وادخل يده في فتحة ثوبه فاذا هي بيضاء لامعة مشعة من غير مرض ولا برص. وحصلت المفاجأة الثانية من غير احتمال انها اشارة الى اشراق الحق ووضوح الاية ونصاعة الدليل. وأدركت موسى طبيعته البشرية فاذا هو يرتجف من رهبة الموقف وخوارق ما شاهد. ومرة اخرى تدركه العناية الالهية (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ) وكأنما يده جناح يقبضه على صدره. والتعبير يرسم ما شاهد وما رأى من الايتين الخارقتين. وقد ارتجف لهما فؤاده. والان اتضح له ما وراء ذلك والان استعد لان يتلقى التكليف الذي كان خالقه يعده له من طفوليته. ليتلقاه في هذا الحين (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ ...) اذن فهي الرسالة الالهية تلقى على عاتق ابن عمران الذي وجد لأجل حملها والقيام بعبئها.