بعد ذلك محشورون اليه فما لكم منه مفر ولا مهرب ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهو مع هذا يدعوكم ليستجيب لكم وتستجيبوا له استجابة الحر المختار ، لا استجابة العبد المقهور. وكل ما يدعو اليه لكم فيه النفع والربح. (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً).
والفتنة هنا هي الابتلاء والعذاب ، لان ارباب الجرائم ثلاثة ، مرتكب الجريمة ، والراضي بالجريمة ، والساكت عن أنكار الجريمة ، فليس العقاب مختص بمن ارتكب الجريمة بل يشمل الراضي بها والساكت عن انكارها وهذا معنى قوله عزوجل (اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً.) فالاسلام منهج تكافل ايجابي لا يسمح أن يقعد القاعدون عن كفاح أهل الظلم والفساد مع امكانهم ذلك ، فانكار المنكر واجب كالصلاة والصيام والتارك له مجرم ظالم.
(وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨))
البيان : اذكروا هذا لتستيقنوا أن الرسول يدعوكم لما يحييكم ، واذكروه كي لا تقعدوا عن مكافحة الظلم والفساد ، في كل صوره وأشكاله.
اذكروا ايام الضعف والخوف قبل أن تذوقوا حلاوة الاسلام وقوة الحق والعدل. واذكروا كيف نقلكم الاسلام من مقام الخوف والضعف الى مكان الامن والقوة. فأصبح كسرى وقيصر وجميع من في الارض يرهبون بأسكم وقوتكم الموصولة بخالق الكون وما فيه : (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، فمن ذا الذي يتأمل هذه النقلة الجبارة البعيدة المدى ثم