وإذ كان كلّ شيء نازلا من عنده سبحانه ـ وقد بيّن أنّ كلّ شيء يعود إلى ما بدأ منه ، على ما سيجيء توضيحه إن شاء الله ، وأنّ الشيء بين بدئه وعوده يجري على ما يستدعيه بدؤه ، (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ، (١) (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) (٢) ـ انكشف من هنا : أنّ بعض الأشياء القرينة في هذه الدار بالقرب والرحمة والنعمة وتقريب العباد من الله سبحانه ، أنّها نزلت من مقام القرب والرحمة وهي الجنّة ، والبعض الكائن بالعكس من هذه المعاني نازل من مقام البعد والنقمة وموطن الغضب وهي جهنّم ، فعلى هذا جرت لسان الأخبار.
قوله ـ عليهالسلام ـ قال : «من ثمرات القلوب» هذا يؤيّد ما ذكرناه آنفا : أنّ دعاءه الوارد في سورة إبراهيم دعاء خاصّ بالذرّيّة ، مأخوذ في النقل من هذا الدعاء العامّ الشامل لهم ولغيرهم عن أهل مكّة ، حيث وضع هناك بدل قوله تعالى : (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) (٣) قوله : (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) (٤)!
وكيف كان فتفسير الثمرات بثمرات القلوب من قبيل عدّ المصداق دون التخصيص به ، ويشهد عليه ما في المجمع عن الباقر ـ عليهالسلام ـ : «إنّ المراد بذلك أنّ الثمرات تحمل إليهم من الآفاق» (٥) الحديث ، وكما في قوله تعالى : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ). (٦)
__________________
(١). الإسراء (١٧) : ٨٤.
(٢). البقرة (٢) : ١٤٨.
(٣). إبراهيم (١٤) : ٣٧.
(٤). إبراهيم (١٤) : ٣٧.
(٥). مجمع البيان ١ : ٣٨٥ ؛ بحار الأنوار ١٢ : ٨٦ ، الباب : ٥.
(٦). القصص (٢٨) : ٥٧.