سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) ، (١) فهم فيما لا يحصونه من النعم سائلون ، ولم يسألوها بألسنتهم ، بل بفقرهم واستحقاقهم ذلك لسانا فطريّا وجوديّا.
وقال في هذه الآية : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) فلم يقيّد بقيد ، بل إنّما شرط أن يكون داعيا وأن يتعلّق دعاؤه به لا بغيره.
فما لا يقع ممّا يريده الإنسان ويهتمّ به فالدعاء الفطري لا يتخطّاه سبحانه ، بل لم يتحقّق هناك دعاء ، وإنّما التبس الأمر عليه التباسا ، وهو الذي يجده الإنسان فيما كان يريده بعد اليأس ، فيجد أنّه قد كان ممّا لا يقع ، وأنّه قد كان مخطئا في طلبه ؛ إذ كان لا يطلب المحال ، بل يطلبه لإذعانه إمكانه ؛ ولم يكن ممكنا ، فلم يكن يطلبه بالحقيقة. فهذا الذي لا يتحقّق فيه الدعاء.
ثمّ ما لا يقع ممّا يسأله الإنسان عن ربّه ، فلم يسأل ربّه ، أي لم يواطئ قلبه لسانه ؛ كمن تعلّق رجاؤه بالأسباب العاديّة أو امور وهميّة ، فلم يخلص الدعاء بالقلب ، وإن أخلصه باللسان واللفظ.
هذا ملخّص القول في معنى الدعاء ، وبه يظهر معاني جميع ما ورد فيه من الآيات والأخبار : قال تعالى : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (٢) وقال تعالى : (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) (٣) وقال تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) (٤) وقال تعالى : (قُلْ
__________________
(١). ابراهيم (١٤) : ٣٤.
(٢). الرحمن (٥٥) : ٢٩.
(٣). الفرقان (٢٥) : ٧٧.
(٤). الأنعام (٦) : ٤١.