مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ). (١)
أقول : وهذه الآيات ـ كما ترى بين ـ ما يفيد : أنّ كلّ موجود سماويّ أو أرضيّ تصل إليه الموهبة الإلهيّة ـ من وجوده إلى متعلّقات وجوده ـ بالسؤال من معدن الرحمة ومنبع الجود ، وبين ما يفيد : أنّ الدعاء فطريّ للإنسان ، وأنّه بفطرته يدعو الله تعالى ، لا يتخطّاه في سؤال النجاة إلى غيره ما دام يتغلغل في الشدّة ، فلا يزال يذكره ويدعوه ، حتى إذا كشف عنه الضرّ واستظلّ بالرخاء نسي ربّه واشتغل بملاهي الدنيا وتعلّق بالأسباب ، فأشرك بربّه ، فهو مشرك وليس بكافر وإن جحد ربّه ؛ فإنّ الإنسان سائل داع لله بالفطرة لا يترك ذلك البتّة ، فإذا تعلّق بغيره فقد أشرك ، وإن زعم أنّه لا يدعوه ولا يسأله سبحانه ، فلا تبديل لخلق الله ، هذا.
وقال تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ). (٢)
أقول : والآية دعوة إلى الدعاء ووعد بالإجابة وتزيد على ذلك أنّها تسمّي مطلق العبادة دعاءا ، (٣) ولو لم يكن مثل الصلاة ، وهذا باب ينفتح منه أبواب.
وقال سبحانه : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (٤) وقال تعالى : (وَادْعُوهُ
__________________
(١). الأنعام (٦) : ٦٣ ـ ٦٤.
(٢). غافر (٤٠) : ٦٠.
(٣). الصحيح «الدعاء عبادة» وإن كان يمكن تقريب استفادة جعل العبادة دعاءا من الآية ، لكن هذا ليس من باب التسمية.
(٤). غافر (٤٠) : ١٤.