من الناس ، ومن أبى ما تبلغه فهو كافر ، ولا يهديه الله تعالى . وقد ورد شبيه هذا المعنى في البخاري : ٨ / ١٣٩ قال : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى ! قالوا : يا رسول الله ومن يأبى ! قال : من أطاعني دخل الجنة ، ومن عصاني فقد أبى . انتهى .
فإبقاء لفظة ( النَّاسِ ) على إطلاقها وشمولها للجميع ، يتناسب مع مصدر الأذى والخطر على النبي صلىاللهعليهوآله الذي هو غير محصور بالكفار ، بل يشمل المنافقين من الأمة أيضاً . بل عرفت أن الخطر كاد يكون عند نزول الآية محصوراً فيهم .
ولكن الرازي يريد إبعاد الذم في الآية عن المنافقين ، وإبعاد الأمر الالهي فيها عن تبليغ ولاية أمير المؤمنين علي عليهالسلام !
المسألة الخامسة : في معنى العصمة من الناس :
وقد اتضح مما تقدم أن العصمة الإلهية الموعودة في الآية ، لا بد أن تكون متناسبة مع الخوف منهم ، ويكون معناها عصمته صلىاللهعليهوآله من أن يطعنوا في نبوته ويتهموه بأنه حابى أسرته واستخلف عترته ، وقد كان من مقولاتهم المعروفة أن محمداً صلىاللهعليهوآله يريد أن يجمع النبوة والخلافة لبني هاشم ، ويحرم قبائل قريش .. !!
وكأنه صلىاللهعليهوآله هو الذي يملك النبوة والإمامة ويعطيهما من جيبه !!
فهذا هو المعنى المتناسب مع خوف الرسول صلىاللهعليهوآله وأنه كان يفكر بينه وبين نفسه بما سيحدث من تبليغه ولاية علي عليهالسلام .
فهي عصمةٌ في حفظ نبوته عند قريش ، وليست عصمةً من القتل أو الجرح أو الأذى ، كما ادعت الأقوال المخالفة . ولذلك لم تتغير حراسته صلىاللهعليهوآله بعد نزول الآية عما قبلها ، ولا تغيرت المخاطر والأذايا التي كان يواجهها ، بل زادت .
والقدر المتيقن من هذه العصمة حفظ نبوة النبي صلىاللهعليهوآله في الأمة وإن ثقلت عليهم أوامره ، وقرروا مخالفته . والغرض منها بقاء النبوة ، وتمام الحجة لله تعالى .
وهي غير العصمة الإلهية الأصلية للرسول صلىاللهعليهوآله في أفعاله وأقواله وكل تصرفاته !